ملتقى الحوار الإعلامي الألماني ـ العربي إشكالية وسائل الإعلام ونظرة نحو مزيد من التفاهم
تتبدى العلاقات الألمانية العربية بصور متعددة تنقلها وسائل الإعلام في مستويات متباينة، بعضها يلامس الحقيقة وكثير منها يبتعد عن تلك الحقيقة إلى النقصان والتشويه، سيّما في رسم الصورة الذهنية المتبادلة بين العرب وألمانيا، لتبرز إشكالية إعلامية تستدعي البحث والتدقيق، واستناداً إلى ذلك نظمت الأكاديمية السورية الدولية للتدريب والتطوير، بالتعاون مع السفارة الألمانية بدمشق والمعهد الألماني للعلاقات الخارجية والسفارة الألمانية بدمشق، ملتقى الحوار الإعلامي الألماني العربي في العاصمة السورية دمشق، بمشاركة نخبة من رجال الإعلام والباحثين في مجالات السياسة والاقتصاد من ألمانيا، وسوريا والأردن ولبنان ومصر والإمارات والسعودية وقطر، المؤتمر الذي عقد لأول مرة في سوريا ويشكل نافذة للحوار العربي الألماني وتقريب الحضارات والقيم، سيبحث خلال يومين في عيوب ونواقص التغطية الإعلامية العربية في رسم صورة ألمانيا، وبالمقابل عيوب التغطية الألمانية في رسم الصورة العربية، وكيف أن وسائل الإعلام العربية والألمانية تخطئ عندما تطرح صورة مشوهة وناقصة للعلاقات الألمانية العربية مما ينعكس تعقيداً في تلك العلاقات، كما يبحث المؤتمر في تغيرات المجتمعات العربية في السياسة الاقتصادية والإصلاحات الجارية في هذا الحقل وضعف التغطية الإعلامية المواكبة في وسائل الإعلام الألمانية والعربية وما يترتب عليه من نقص في المعلومة وخلل في الفهم في أحيانٍ كثيرة، ولم ينسى المؤتمر البحث في التحولات الاجتماعية في كل من الشرق الأوسط وأوروبا وانعكاس هذه التحولات على العلاقات الألمانية العربية، والسؤال الأبرز هنا الذي يجيب عنه المؤتمر هو ما مدى مساهمة وسائل الإعلام وتأثيرها في هذه التحولات… وربما تقف وسائل الإعلام على الحياد ودون أية مساهمة؟.
وبعد أن رحب د. نزار ميهوب رئيس مجلس إدارة الأكاديمية السورية الدولية بالمشاركين والحضور وتحدث عن أهمية المؤتمر في تعزيز لغة الحوار بين الدول، الأمر الذي تدعو إليه سورية في كل مناسبة، أكد السفير الألماني بدمشق السيد أندرياس راينيكه في كلمته على أهمية هذا الملتقى وموضوعاته ووصفه بأنه مؤتمر غير اعتيادي في ظل ما تشهده سورية من تحولات اقتصادية جارية تلقى المتابعة والاهتمام من قبل الحكومة الألمانية، وتحدث السفير الألماني عن خصوصيةٍ سوريةٍ ودعا الصحفيين الألمان لنقل المعلومات المتعلقة بسورية والدول العربية بوضوح وشفافية عبر تقارير إعلامية موضوعية، ودعا إلى تكثيف الزيارات المتبادلة بين ألمانيا وسورية ولاسيما الإعلامية منها بما يدعم التقارير الإعلامية المتبادلة بين إعلام البلدين حسب قوله.
وأكد د. عيسى درويش رئيس مجلس أمناء الأكاديمية السورية الدولية على أن الجهود المبذولة في هكذا حوارات ستبقى ناقصة ما لم تنعم منطقة الشرق الأوسط بالسلام العادل والشامل القائم على القانون والعدل، وأن سورية تتطلع للاستفادة من الخبرات الألمانية في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا واقتصاد السوق وترغب في تطوير العلاقات الثنائية مع ألمانيا على جميع الصعد، ومنها الصعيد المؤسساتي، وسعي سورية لربط البحار الأربعة (المتوسط والأحمر والأسود وقزوين) وفق رؤية السيد الرئيس بشار الأسد ضمن دبلوماسية الحوار، وكيف أن الرئيس الأسد يشدد دائماً على ضرورة إدارة الخلافات.
وناقش الملتقى خلال الجلسة الأولى تحت عنوان التقارير الصحفية لوسائل الإعلام العربية والألمانية حول الطرف الآخر نواقص ونظرات أحادية الجانب في رسم صورة الآخر بمشاركة الدكتور أديب خضور الباحث الإعلامي من جامعة دمشق، والصحفي الألماني مارسيل بوت والدكتور علي الرمال من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية، وأندريا نوسه مسؤولة عن شؤون السياسة الخارجية في صحيفة دير تاغس شبيغل الألمانية التقارير الصحفية لوسائل الإعلام العربية والألمانية وكيفية تغيير الصورة النمطية الرائجة للمجتمعات العربية في أوروبا وصورة المجتمعات الأوروبية في الدول العربية مؤكدين أن المشكلة تعود إلى سوء الفهم أو الخلل في التغطية الإعلامية وإلى أسباب تقنية ومهنية تتعلق بالاحترافية وقواعدها.
وأوضح المشاركون أن المشكلة يمكن حلها من خلال تنفيذ برامج تدريبية مكثفة تشدد على المعايير المهنية وتلتزم بها وتركز على القواعد الاحترافية في التغطية الصحفية وتوسيع مساحة التقارير الصحفية التي يمكن من خلالها الفصل بين الصور السياسية والصورة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية.
وتناولت الجلسة الثانية التي عقدت تحت عنوان السياسة الاقتصادية وإصلاح الاقتصاد كيف تتغير المجتمعات العربية على إثر ذلك بمشاركة الدكتور نادر فرجاني مدير مركز المشكاة للبحث في القاهرة والدكتور بيتر أوكر نائب رئيس الجامعة الألمانية الأردنية في عمان والدكتور يوسف منصور مدير ان كونسولت في الأردن تغيرات المجتمعات العربية في السياسة الاقتصادية والإصلاحات الجارية في البلدان العربية خلال الأعوام الماضية وضعف التغطية الإعلامية المواكبة في وسائل الإعلام الألمانية والعربية وما يترتب عليه من نقص في المعلومة وخلل في الفهم في أحيان كثيرة إضافة إلى سبل تحسين وتعزيز التعاون العربي الألماني وتكثيفه في تعميق التبادل الاقتصادي المرتبط بالحوارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ودعا المشاركون في الجلسة إلى الاستثمار في القطاع التعليمي عبر الرأسمال البشري وتعزيز ثقافة العمل التشاركي بين الدولة والمؤسسات والافراد وتعزيز العلاقة بين قضايا التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية وضرورة الاستفادة من التجربة الألمانية المتعلقة باقتصاد السوق الاجتماعي.
يذكر أن المعهد الألماني للعلاقات الخارجية يقوم بمثل هذه المؤتمرات منذ العام 1997، بهدف تبادل الخبرات والآراء وفتح قنوات للحوار بين ألمانيا والبلدان العربية.كما أن خبراء العلاقات الدولية في كلا الجانبين الألماني والسوري يعولون على هذا المؤتمر كخطوةٍ مهمة في سياق بناء علاقات ألمانية سورية تتسم بالوضوح والقراءة الصحيحة كلُ للآخر وذلك بمساهمة وسائل الإعلام التي باتت تشكل اليوم أحد ركائز التفاهمات الدولية على مستوى الشعوب والسياسات بعيداً عن التحريض وانتقاص الحقائق وصناعة الصورة المشوهة.