النظام الدولي بين المفهوم والتغيير

يُعتَبَر النظام الدولي الإطار المؤسسي والدبلوماسي والسياسي والقانوني الناظم للعلاقات الدولية خلال فترة تاريخية معينة، ويُعَد تفاعل الوحدات السياسية لهذا النظام (دول العالم)، تعاوناً وتنافساً وحرباً، المحرك الأكبر فيه، ومن مميزاته أنه ذو طبيعة مرحلية، فغالباً ما يبرز نظام دولي جديد بناءً على موازين قوة استراتيجية قائمة وآنية، تكون عادة مترتّبة على مواجهة عسكرية مدمّرة (مثل الحربين العالميتين) أو صراع أيديولوجي شرس وطويل الأمد.

 

ومن المفاهيم الرئيسية المتصلة بالمفهوم النظام الدولي:

 

1- الدولة القومية:

والتي تعتبر عند “دي جي” أنها تعبير يطلق على كل تنظيم لجماعة سياسية في أي مجتمع، في حين يرى “كاريه ديملير” أنّ الدولة هي مجموعة أفراد مستقرة في إقليم ولها شكل من أشكال التنظيم يجعل من الأفراد تحت سقف سلطة عليا آمره.

2- السلطة أو الحكومة:

في حين أننا نتحدث عن السلطة لابد لنا من الإشارة إلى أنّ للقانون الدولي وجهان في نظرته للسيادة هما:

  • السيادة الداخلية:

والتي تعبّر عن حرية الدولة في التصرّف بالشأن الداخلي والتنظيم الحكومي والمرافق العامة وكل ما يوجد من أشخاص أو أشياء.

  • السيادة الخارجية:

ويقصد بها حرية الدولة بإدارة علاقاتها الخارجية دون الخضوع لأي سلطة أخرى، فجميع الدول على أشكالها وأحجامها متساوية أمام القانون الدولي.

3- معيار القوة:  حسب هذا المعيار يمكن أن نميز بين أربعة أصناف:

الدول العظمى، الدول الكبرى، الدول متوسطة القوة، الدول الصغرى.

4- المعيار الاقتصادي والسياسي والتكنولوجي:

تعطي بعض نظريات العلاقات الدولية الأولوية للعوامل الاقتصادية والتكنولوجية لتحديد قوة الدولة وخاصة النظرية الليبرالية، بينما يضيف “دانيل كولار” العوامل العسكرية.

5- القوى الفاعلة غير-الدولة Non- State Actors:

بالإضافة إلى الدولة الأمة-القومية، هناك العديد من الوحدات الفاعلة في النظام الدولي، مثل المنظمات الدولية، والمنظمات غير الحكومية، وشركات متعددة الجنسيات، والجماعات العابرة للحدود.

  • المنظمات الدولية: International Organizations:

هي مؤسسات أو هيئات دولية تؤسسها الدول بموجب معاهدات دولية تعكس ظاهرة التعاون الدولي، ساعية لتحقيق مصالحها.

  • المنظمات غير الحكومية: Nongovernmental Organizations:

هي منظمات تأسست بواسطة أفراد أو جماعات وليس بواسطة الدول، ومثال ذلك منظمة الصليب الأحمر، وأطباء بلا حدود، ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان.

  • الشركات متعددة الجنسيات: Multinational Corporations:

يطلق هذا الاسم عادةً على الشركات الكبرى التي يوجد لها فروع في الكثير من الدول حول العالم، وترتبط هذه الفروع حول العالم بالشركة الأم.

النظام الدولي

يعرّف النظام الدولي على أنه مجموعة القيم السائدة والآليات المستخدمة والسياسات التي تعتمد من قبل الوحدات والتفاعلات الناتجة عنها.

  • وفي الواقع فإنّ النظام الدولي يمثّل بجانبه الأول نسقاً من التفاعلات التي تتميّز بالوضوح والاستمرارية والتي تكوّن بمجموعها هيكلية هذا النظام، ومن ناحية أخرى فالنظام يصف لنا من الناحية العلمية نموذجاً سلوكياً أو نمطياً للتفاعل بين مجموعة من وحدات أو كيانات أو فواعل بعضها مع بعض.
  • أما الركن الثاني للنظام الدولي هو الهيكلية، ويقصد بها هو الشكل الذي يتخّذه النظام من خلال تراتبية الوحدات التي يتألّف منها، وهذه التراتبية ناتجة عن مقدار القوة وحجمها وتأثيرها والسيطرة ضمن عمليات التفاعل، حيث أنّ نتيجة لتباين القدرات التأثيريّة تتباين أهمية الأدوار التي تؤديها هذه الوحدات على المسرح الدولي.
  • أما الركن الثالث فهو الذي يقوم عليه مفهوم النظام الدولي والذي يطلق عليه التفاعل،

فالنظام الدولي لا يمثّل هيكلاً بنيوياً مفرغا،ً بل هو يضم العديد من الوحدات التي تدخل في عملية التفاعل فيما بينها وهذه التفاعلات تنجم عن نمطٍ من العلاقات التي قد تأخذ شكلاً من الالتزام أو التعاقد، وتأخذ أحياناً أخرى التفاعلات التلقائية غير الملزمة بين تلك الوحدات، والحد الفاصل بين نوعية هذه العلاقات هو نوعية السيطرة أو التأثير الذي تمارسه الأطراف في مجريات التفاعل والعلاقات في ظل النظام الدولي.

  • أما الركن الرابع فهو البيئة: وهي تعني الوسط الذي تتحرك ضمن حدوده وحدات النظام الدولي، وهي التي تتضمن أنماط التفاعلات القائمة بينها سواءً كانت تعاونية أو تصارعيه أو كلاهما.

أنماط النظام الدولي

عرف العالم أنماطاً عديدة للنظم الدولية عبر التاريخ، إلا أنه ثمّة ثلاث أنماط رئيسية لكلٍ منها سماته الخاصة وهي:

  • نظام القطبية الأحادية:

يقوم هذا النمط في النظام الدولي من خلال سيطرة كيان سياسي واحد على كافة التفاعلات الحاصلة في النظام الدولي، واحتكار القدر الأكبر من القوة السياسية في العالم، وعادةً ما يمتلك هذا الكيان نفوذاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً هائلاً بحيث يجعل من الصعوبة بمكان منافسته من قبل الأطراف الأخرى لفترةٍ من الزمن كما هو الحال اليوم مع الولايات المتحدة الأمريكية برأي البعض.

  • نظام القطبية الثنائية:

يقوم هذا النمط على وجود قوتين سياسيتين تلعبان دور القيادة في النظام الدولي لأنهما تمثلان القوة الأعظم في النظام نفسه، واللافت في هذا النمط أن القوى السياسية المختلفة تتمحور حول القوتين العظميين اللتين تحاولان استقطاب كافة القوى السياسية في العالم كما هو الحال فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.

  • نظام التعددية القطبية – توازن القوى:

يقوم هذا النمط على توازن القوى وتعدد محاورها المضادة التي يُعد تكافؤ قواها شرطاً لردع أي محور أو طرف دولي في حال استغلاله لتفوق عارض في قواه ضد الأطراف الأخرى، كما هو الحال الذي ساد الساحة الدولية في أعقاب توقيع معاهدة وستفاليا.

 

     كيف يتغير النظام الدولي

العديد من الكتابات والدراسات والأبحاث القديمة والحديثة تناولت موضوع طبيعة وبنية النظام الدولي وآليات التغيّر فيه ومن أهم هذه النظريات:

1- “نظرية ابن خلدون”:

التي ركّزت على دور العصبية في قيام الدولة، سواء كانت وطنية أو قومية أو دينية أو أيديولوجية مع تحديد خمسة أطوار للدولة منذ النشوء حتى الزوال، حيث تضمحل الدولة في مراحلها النهائية نتيجة أسباب اجتماعية أو اقتصادية.

2- “نظرية روبرت جلبن”:

يرى الأمريكي جلبن أنّ التغيّر في مستوى النظام الدولي يحصل عبر أربع مراحل رئيسية هي:

  • يكون النظام الدولي مستقراً عندما لاتشعر دولة ما أن التغير في طبيعة هذا النظام مفيد لها.
  • تسعى دولة ما إلى التغيّر عندما تعتقد أنّ هذا التغير في النظام الدولي سيحقق لها أكثر مما سوف تخسره.
  • تسعى دولةٌ ما إلى التغيّر عبر التوسّع والهيمنة البرية والاقتصادية والسياسية أو إحداها، في الوقت الذي تعتقد فيه الدولة أنّ الأثمان لن تتعدى المكاسب المحققة.
  • عندما يتحققق التوازن بين الأرباح والأثمان فإنّ الدولة ستسعى للحفاظ على ستاتيك، وإذ لم تستطع وكان هناك من يتحدى هيمنتها فإنّ النظام الدولي لن يستقر إلا على ميزان يعكس حقيقة توزيع القوى على المسرح الدولي

3- نظرية “ألفرد أورغانسكي”:

يرى أورغانسكي أنّ النظام الدولي يتغيّر بناءً على الربط مع فئة معينة من الدول وهي الفئة الثانية في تقسيمه، حيث أنه قسّم الدول إلى أربعة أقسام وهي:

  • دول قوية قانعة: وهي تلك الدول التي تعتقد أنّ ماتمتلكه من إمكانات ومقوّمات سياسية وعسكرية واقتصادية وغيرها متناسب مع الدور الذي تلعبه على الساحة الدولية وهي بهذا تحاول الحفاظ على النظام الدولي القائم.
  • الدول القوية الغير قانعة: وهي الدول التي تعتقد أنّ ماتمتلكه من مقومات وإمكانات أكبر بكثير من الدور الذي تلعبه على الساحة الدولية وهي بذلك تسعى إلى التغيير في بنية النظام الدولي القائم.

4- نظرية “بول كيندي”:

في بحثه المعنون صعود القوى العظمى وهبوطها، والذي رصد فيه ألفي عام من التغييرات الحاصلة بين الأمم، رأى كيندي أنّ هناك شبه قوانين تحكم مسيرة الدول العظمى وبذلك تسير معظم هذه الدول في خطوات متشابهة أثناء صعودها وهبوطها، ورأى أنّ هناك صلة وثيقة بين الصعود والهبوط الاقتصادي لأي من الدول الكبرى وبين صعودها وانهيارها كقوى عسكرية، وبالتالي التغيّر في شكل وبينة النظام الدولي مستشهداً بأمثلة عدة منها صعود السويد ،1630 وبريطانيا أواخر القرن الثامن عشر.

 

في النهاية

نحن اليوم نعيش في عالم تحكمه مجموعة من الفواعل الدولية، وفق عدّة تفاعلات في نظام دولي تغيب عنه السلطة المركزية، وتتوزّع فيه القوى بشكل متغيّر يوماً بعد يوم، فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانهيار القطبية الثنائية تربّعت الولايات المتحدة الأمريكية على عرش السياسة العالمية لسنوات، والبعض اليوم يعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة انتقالية في بنية النظام الدولي مع صعود قوى جديدة ذات بعد جديد، وكذلك زيادة تأثير المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات.

وقد يشهد العالم نقلة جديدة في بنية وهيكلية هذا النظام، لاسيما مع الأخذ بعين الاعتبار تنامي قوة روسيا الاتحادية والتغيّر الواضح في سياستها الخارجية تجاه عدة قضايا دولية وإقليمية، وكذلك الصعود الضخم للصين اقتصادياً، وزيادة الاهتمام بالمنظمات والتحالفات ذات الخصوص كمنظمتي بريكس وشنغهاي وغيرهما.