الأمن الدولي والإقليمي

مقدمة:

اتخذت الدراسات الأمنية حيّزاً هاماً في البحوث والدراسات العلمية بدءاً من معاهدة وستفاليا 1648 حتى يومنا هذا، إلا أنها لم تظهر بوضوح وبشكلها الحالي إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية ما اصُطلح عليه “بالحرب الباردة” , حيث انقسم العالم إلى معسكرين عندها بدأ الاهتمام بالدراسات الأمنية التي ركزت على حماية الأمن القومي الأمريكي من “الخطر الشيوعي”، وما يشكّله هذا “الخطر” من تهديد للقيم وللأمن القومي، وقد ساهم السلاح النووي بدورٍ كبير في تحديد مسار هذه الدراسات، إذ استحوذت مسائل الردع النووي ومفاهيم أخرى، (كالضربة الأولى، وتوازن الرعب)، على حيّز كبير من اهتمام المفكرين، وبرزت كتابات عديدة تعد من أهم الدراسات الأمنية، مثل دراسات برنارد برودي Bernard Brodie، وروبرت اوسغود Robert Endicott Osgood، وتوماس شيلنج Thomas Schelling وآخرين “.

هذا وقد اختلف علماء السياسة والاستراتيجية حول تحديد مفهوم الأمن بشكله الدقيق على الرغم من وجود بعض القبول العام بالتعريف الذي ينطلق من أن مفهوم الأمن هو: “عدم شعور الفرد بأن حياته أو إحدى قيمه مهددة بشكلٍ ما , إلا أن مفهوم “الأمن” شهد اختلافاً وتمايزاً في التفسير والتحليل وفقاً لاختلاف علماء السياسة والاستراتيجية عبر الزمان والمكان، فلكلِ زمانٍ خصوصيته ولكل مكانٍ حدوده وميزاته , ولذلك نستعرض مفاهيم الأمن كما عبرت عنها وجهات نظر المدارس المختلفة :

مفهوم الأمن من وجهة نظر الواقعية :

لا زالت المدرسة الواقعية الأجدر والأكثر تأثيراً في العلاقات الدولية وخصوصاً فيما يخص المسألة الأمنية , ويُفَسَّرْ الواقعيين الأمن ؛ “بالأمن القومي”، أي أمن الدولة ضد الأخطار والتهديدات الخارجية بحيث لا يمكن ضمان هذا الأمن إلا من خلال امتلاك القوة والسعي لزيادة القدرة العسكرية.

مفهوم الأمن من وجهة نظر الليبرالية:

الأمن الجماعي والسلام الديمقراطي هو المنظور البديل الذي تنادي به الليبرالية عوضاً عن المنظور الواقعي الذي يركز على الأمن القومي , حيث يسعى الليبيراليون إلى التغلب على النزعة الأنانية للدول وتحقيق التعاون بينها .

مفهوم الأمن في ظل الثنائية القطبية:

إن انقسام العالم إلى معسكرين متجابهين ترأسهما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية يُعتبر نقطة التحول الكبرى في العلاقات الدولية من حيث الدراسة والتطبيق ولذلك ظهر علم الدراسات الأمنية بحلته الجديدة .

الأمن الوطني :

هو المفهوم الذي ساد في مرحلة الحرب الباردة حيث أن الأمن آنذاك اكن هو الأمن الوطني للدولة والتي كانت مسيطرة على قضايا الأمن من ناحيتها من خلال القوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي والأجهزة المعاونة لها ذات الحق المشروع في استخدام القوة وأدوات العنف لمواجهة أي تهديد .

أهم ملامح الظاهرة الأمنية في الواقع المعاصر :

 

  • الظاهرة الأمنية المتعدية لحدود الدولة القومية:

إن التداخل بين العوامل الداخلية والخارجية (إقليمية – دولية) المؤثرة على الأوضاع الأمنية في جميع دول العالم أدى إلى تجاوز إطار الظاهرة الأمنية المعاصرة بأبعادها المختلفة نطاق الحدود الإقليمية للدولة ليشمل جوارها الجغرافي ويمتد إلى الساحتين الإقليمية والدولية .

  • اتساع نطاق مصادر التهديد الأمني:
  • مصادر تهديد داخلية:

التي سببها عملية التغير التي تتعرض لها المجتمعات المعاصرة بفعل المتغيرات العديدة التي يشهدها الواقع المعاصر.

  • مصادر تهديد من دول الجوار الجغرافي المباشر:

التي اتسعت لتشمل إلى جانب التهديد العسكري التقليدي لدول الجوار التطورات الداخلية في هذه الدول وعلاقاتها مع الدول الكبرى .

  • مصادر تهديد من الإطار الإقليمي:

حيث أن العمق الاستراتيجي لبعض الدول يمكن أن يتحول إلى مصدر تهديد لها في ظل أوضاع إقليمية أو دولية معينة .

  • مصادر تهديد دولية ناتجة عن تطور الأوضاع على مستوى النظام الدولي:

وهي التي تفرزها التطورات التي يمكن أن تحدث على مستوى التفاعلات على مستوى النظام.

  • مصادر تهديد كونية:

وهي مصادر التهديد الناتجة عن العولمة وتداعياتها والأسس التي تقوم عليها .

  • تعدد نوعية مصادر التهديد الأمني:

حيث تتعدد في الواقع المعاصر نوعية مصادر التهديد الأمني فمنها ما هو اقتصادي  كالأزمات المالية التي تهدد بإهدار الثروات المالية والاقتصادية للدولة كالأزمة المالية والاقتصادية لعامي 2008-2009 .

  • ظهور نوعية جديدة من التهديدات الأمنية التي لم تكن معروفة من قبل:

هنا تبرز التهديدات الأمنية لنظم المعلومات وإمكانية ممارسة أعمال القرصنة المعلوماتية بأبعادها المختلفة .

  • تغير مضمون بعض التهديدات الأمنية التقليدية وتغير الوزن النسبي لأهميتها:

حيث تأخذ التهديدات أشكالاً غير تقليدية بأساليب وطرق مختلفة لإثارة القلاقل وإشعال أعمال العنف والتخريب والإخلال بالاستقرار الداخلي، والتشويه المتعمد للصورة الذهنية للنظام السياسي والتشكيك في مصادر شرعيته وذلك لإظهار أن الدولة فشلت في القيام بمهامها الأساسية تجاه مواطنيها .

في الختام:

إن الأمن هو مفهوم يأخذ أشكالاً متعددة ويتوسع ليشمل ليس فقط التحديات ضمن نطاق الدولة وإنما أيضاً في محيطها الإقليمي وحتى النظام العالمي , وكوّن المنطقة والعالم يعانيان من انعدام الاستقرار وانتشار النزاعات فإن الفهم الصحيح لهذا الاحتياج يمكّن الدول من معرفة كيفية تحقيقه الأكاديمية السورية الدولية