صنع القرار السياسي

مقدمة:

تعتبر عملية صنع القرار السياسي محل اهتمام علمي في الدراسات السياسية بمجالاتها المختلفة ولم يعد تحليل عملية صنع القرار السياسي قاصراً على القرارات الداخلية في الدولة وحسب، بل امتد إلى القرارات التي تتخذها الدولة في النطاق الخارجي.

يقول «ديفيد ايستون»: إن عملية صنع القرار السياسي تأتي من خلال تحويل المطالب السياسية إلى قرارات، وهو ما يُطلق عليه اصطلاحاً «التخصيص السلطوي للقيّم». وهذه المطالب هي التي تُعبر عن جملة من التفاعلات السياسية والاجتماعية المعبرة عن حاجات ومصالح فئات وشرائح اجتماعية مختلفة.

وعليه فالأحزاب السياسية وجماعات المصالح وكذلك النخب السياسية والرأي العام يلعبون دوراً بارزاً في تجميع تلك المصالح والتعبير عنها وصياغتها، بوصفها مطالب سياسية.

مفهوم القرار السياسي

إن دراسة عملية صنع القرار السياسي وتحليلها تتطلب التركيز على الإطار النظري للقرار الذي يتثنى لنا من خلاله التعرف على مفهوم القرار السياسي وطبيعته، وكذلك مداخل تحليله ودراسته.

أما بالنسبة لمفهوم أو تعريف صنع القرار فهو لا يزال يعاني من عدم وجود تعريف محدد له ومتفق عليه، لكن يمكننا التمييز بين ثلاث فئات من تعريف ومفهوم القرار:

أ- إن جوهر القرار السياسي هو الاختيار الواعي بين مجموعة بدائل بما يعظم المنافع، بعبارة أخرى هو مسار ما يختاره متخذ القرار باعتباره أنسب وسيلة متاحة أمامه لإنجاز الهدف الذي يبتغيه.

ب- تنطلق هذه الفئة من الدور الذي يضطلع به العامل القيادي في عملية صنع القرار السياسي، وتتراوح بين نموذجي النخبة والسيطرة من جهة، ومنهج الإدراك من جهة أخرى لفهم طبيعة القرار السياسي فهو إما يعبر عن قيم النخبة الحاكمة وتفضيلاتها أو يركز وجود علاقة ترابطية بين نظام المعتقدات، وعملية الإدراك وعملية صنع القرار، وبكل الأحوال يتجلى دور القيادة السياسية بثلاثة عناصر هي: القائد والفاعلية والجماعة السياسية.

ت- تؤكد هذه الفئة على عنصري التنافس والتوفيق بين الآراء والمواقف والمصالح المختلفة من خلال المساومة والتفاوض والتوفيق للوصول إلى الحد الأدنى من توافق المصالح المتعارضة.

بناء على ما سلف يمكن تعريف عملية صنع القرار السياسي بأنها مجموعة من العناصر والأطراف والمراحل ضمن مجموعة من المحددات والمؤثرات الداخلية والخارجية التي تفضي إلى اتخاذ القرار من بين عدة بدائل بما يحقق الأهداف والتوازنات بين القوى المختلفة.

مداخل صناعة القرار

أ- المدخل المؤسسي:

الذي ينظر إلى القرارات السياسية على أنها مجموعة من التفاعلات التي تحصل في سياق مؤسسي لكل من هذه المؤسسات السابقة الذكر مجموعة من مصالح وأدوات تأثير متباينة.

ب- مدخل النخبة:

الذي يقوم على افتراض عدم التوازن في توزيع النفوذ والتأثير في عملية صنع القرار السياسي، وأن النخبة صاحبة دور رئيسي في هذا المجال، والنخبة هنا هي من تمتلك أدوات القوة السياسية.

ت- المدخل العقلاني:

الذي يجعل من القرارات السياسية محصلة تصرفات عقلانية ضمن وحدة صنع القرار، بهدف اشباع القيم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها.

آليات التحويل واتخاذ القرار

إن عملية صنع القرار السياسي هي تحويل المطالب إلى قرارات وذلك من خلال جملة من الإجراءات والتفاعلات بين النسق السياسي، والوعاء الاجتماعي الذي يحتضنه ويتفاعل معه، ومجموعة من “السيرورات” ذات أنماط متعددة ومتداخلة ومتعلقة بفئة محددة من النشاط السياسي، هي عملية صنع القرار في المجتمع. ويقصد هنا “بالسيرورات السياسية” سلسلة متتابعة من العلاقات المترابطة والتفاعلات في أدوار سياسية يؤديها فاعلون سياسيون هم الأفراد والجماعات السياسية.

مراحل صنع القرار

  • صياغة المطالب السياسية:

إن تبلور المطالب السياسية وصياغتها هو محصلة سيرورات التفاعل بين النسق السياسي والأنساق الاجتماعية الأخرى، وعليه يمكننا تصور ثلاث حالات تنعدم فيها المطالب تماماً:

  • حالة الاستقلالية المطلقة لكل نسق عن الآخر.
  • الحالة التي لا تؤثر فيها مخرجات الأنساق الفرعية في آلية عمل النسق السياسي.
  • الحالة التي تكون فيها هذه الأنساق قادرة على التخلص من قرارات النسق السياسي.
  • فرز المطالب السياسية

تتم عملية الفرز أولاً بدخول هذه المطالب إلى البيئة الحزبية «الأحزاب السياسية» التي تقوم بدورها بتجميعها وتصفيتها قبيل توجيهها نحو النظام السياسي، الذي يقوم عادة بتقليصها نظراً لتعارض وتضارب بعضها، ثم صقلها بالشكل النهائي على شكل قرارات، وهنا فإن النظام السياسي قد يلجاً إلى ما يطلق عليه (بالدعم السياسي)، أو (الدعم الانتشاري) كما يطلق عليه ديفيد إيستون، والذي يمثل المواقف الشعبية الداعمة والمؤيدة للنظام السياسي، والمستعدة بذات الوقت للموافقة على خياراته بما فيها تلك الغير مرضية.

  • البدائل المتاحة والتغذية الرجعية للقرار السياسي

في هذه المرحلة يتم استخدام مجموعة من القواعد والأساليب والأدوات من قبل مركز القرار لتقويم وتصويب البدائل المتاحة من خلال إجراء المفاضلة بينها واختيار أكثرها تحقيقا للأهداف وهذا عادةً يتم وفق أحد نموذجين، أولهما النموذج التحليلي وثانيهما النموذج المعرفي.

أولاً: النموذج التحليلي:

يتقاطع هذا النموذج مع مدخل الفاعل العقلاني لصناعة القرار السياسي. إذ يفترض أن القرار السياسي يأتي كنتيجة لتصرف عقلاني في وحدة صنع القرار، من خلال تحديد جميع النتائج المحتملة لكل بديل وتحديد القيم التي تتأثر نتيجة اتخاذ القرار وإعطاء كل نتيجة وزنا تفضيلياً طبقا لعلاقتها بكل قيمة على حدى، ثم تحديد مؤشر واحد للمنفعة بحيث يكون الاختيار النهائي هو الذي يعظّم المنافع ويحقق المصالح.

ثانياً: النموذج المعرفي:

الذي يتقاطع مع مدخل الإدراك في صناعة القرار السياسي، إذ يتصرّف مركز القرار السياسي تبعاً لمعتقداته الشخصية المتأثرة بطبيعة الحال بمجموعة من القيم والعقائد الذاتية، وهكذا فإن البدائل المنسجمة مع النسق العقائدي لمركز القرار السياسي يتم اختيارها سلفاً حال كانت تستجيب لقيمة عقائدية ما.

يتأثر القرار السياسي بالإطار الاجتماعي والسياسي لعملية صنع القرار ؛ لأن القرار السياسي لا ينفصل عن السياق الاجتماعي والظروف السائدة في البيئة الاجتماعية ال يسيطبق فيها هذا القرار، بل إن القرارات السياسية في غالبها هي استجابة لضغوط الواقع الاجتماعي والاقتصادي، وهي تعبر عن «حاجات » و «مطالب » فئات وشرائح اجتماعية داخل النظام السياسي، وتشارك الفئات الاجتماعية المختلفة : أحزاب سياسية، نخب وتنظيمات اجتماعية مختلفة في بلورة هذه المطالب والدفع بها للنظام السياسي من أجل اتخاذ قرارات بشأنها، وتنتظر المؤسسات السياسية ال يتصنع القرارات السياسية التغذية الراجعة من المجتمع حول القرارات التي يتم اتخاذها.

  • التغذية الرجعية للقرار السياسي:

ويقصد بهذه المرحلة تدفق المعلومات لجهاز اتخاذ القرار السياسي، حول نتائج القرار الذي اتخذته، لتستخدمها هذه الأجهزة في ترشيد أفعاله اللاحقة، أي رد فعله اللاحق فإذا كانت النتائج إيجابية فيتوقع تكرار الفعل الأصلي أي المضي في ذات الاتجاه، أما إذا كانت النتائج سلبية، فيتوقع أن يكون رد الفعل مغايرًا بمعنى يتوقع رد فعل مختلف وعدم المضي في ذات الاتجاه، وكل هذا يتوقف على درجة نجاح الفعل الأصلي في تحقيق أهداف الدولة.