
التواصل خلال الأزمات في عصر وسائل الإعلام الاجتماعية
كيف تنبهت صناعة الملاحة الجوية إلى قوة المواطنين الصحفيين ؟
ظلت الطريقة الأمثل للتعامل مع أزمات الملاحة الجوية قائمة على نظرية ” الساعة الذهبية ” حتى وقت قريب ، لكن ثورة وسائل الإعلام الاجتماعية ولدت حاجة إلى ظهور أساليب جديدة .\
بقلم جون بايلي (John Bailey )
في صباح الرابع من تشرين الثاني / نوفمبر للعام 2010 أقلعت طائرة أيرباص من طراز ( A380 ) تابعة لخطوط كانتاس الجوية و على متنها ( 469 ) مسافراً إلى جانب أفراد الطاقم من مطار تشانغي في سنغافورة في رحلة روتينية متجهة نحو موطن شركة الخطوط الجوية في سيدني بأستراليا ، لكن بعد أربع دقائق فقط واجه أحد محركات الطائرة العملاقة ذي الطراز ( رولز – رويس 900 ) مشكلة ” فشل في الأقراص لا يمكن احتواؤه ” ما أدى إلى انفجاره على نحو مدوٍ و اخترقت شظاياه الملتهبة جناح الطائرة و أجزاءً من هيكلها إلى جانب الإضرار بأنظمة التحكم الحساسة الخاصة بالطائرة .
كان يمكن لهذه الحادثة أن تشعل فتيل إحدى أسوأ الكوارث في تاريخ الملاحة الجوية على الإطلاق ، فضلاً عن الكارثة التي
ستضرب سمعة شركة أيرباص و طائراتها المتميزة ذات الطراز (A380 ) ، لكن الرحلة ذات الرقم ( 32 ) هبطت بسلام عائدة إلى مطار تشانغي بعد مرور ساعة و أربعين دقيقة بفضل جهود طيارها و طاقمه و بفضل التصميم المتميز للطائرة الحديثة ، لأن طائرة من طراز أقدم ربما لم تكن ستكتب لها النجاة لو أصيبت بهذه الأضرار الكارثية كما حصل في تموز / يوليو عام 1989 عندما تحطمت طائرة من طراز (DC-10 ) تابعة لخطوط يونايتد أيرلاينز الجوية في مدينة سيوكس بولاية أيوا في الولايات المتحدة الأمريكية إثر عطل مشابه .
هبطت الطائرة بسلام في مطار تشانغي و تمت معاقبة طاقم الطائرة و إيقاف رحلات الخطوط الجوية السنغافورية ، أما الصحافة فقد شنت هجوماً لاذعاً على شركة ( رولز – رويس ) الصانعة للمحرك الذي كاد يتسبب بكارثة . لكن القصة لم تنته عند هذا الحد بل كانت لها تداعيات بعيدة من أهمها اعتراف صناعة الملاحة الجوية بالتحديات التي تفرضها وسائل الإعلام الاجتماعية خلال الأزمة سريعة التطور .
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يحتل فيها ” المواطنون الصحفيون ” دور الريادة في تغطية حادث جوي ضخم ، ففي كانون الأول / ديسمبر من عام 2008 كتب أحد المسافرين في تغريدة على موقع تويتر بعد أن تمكن من الزحف خارج الجسم المحطم لطائرة بوينغ من طراز ( 737 ) التي انجرفت على معبر جليدي في دنفر عاصمة ولاية كولورادو الأمريكية ” ياللهول ! لقد خرجت للتو من حادثة تحطم طائرة ! ” أما في حادثة أخرى عندما غرقت طائرة أيرباص من طراز ( A320) تابعة لخطوط الولايات المتحدة الجوية في نهر هدسون في نيويورك فقد ظهرت أولى صور الطائرة بعد غرقها على موقع ( فليكر ) خلال تسع دقائق فقط !
التغريد خلال الرحلة !
الفرق بين الحوادث السابقة و حادثة خطوط كانتاس الجوية التي هي معرض حديثنا هو أن الموجة الأساسية من التعليقات في وسائل الإعلام الاجتماعية اجتاحت شبكة الإنترنت بينما كانت الطائرة لا تزال في الجو و قبل أن تدرك شركة الخطوط الجوية تماماً حقيقة المأزق الذي كانت فيه . ظهرت التغريدة الأولى عن الحادث بعد ( 40 ) دقيقة من انفجار المحرك نقلاً عن تقارير صادرة عن وسائل الإعلام الإندونيسية يفيد بحدوث ” انفجار في السماء ” فوق جزيرة باتام الإندونيسية ، و في أقل من ساعة بينما كان طاقم الطائرة يناضل للسيطرة على عدد من الأخطاء في نظام الطائرة ظهرت على موقع ( فليكر ) أولى صور حطام الطائرة و عليها شعار شركة الطيران و هو الكنغر الطائر . و بينما تزاحمت المؤسسات الإعلامية لنقل الخبر أوردت وكالة رويترز خبراً مفاده ” نقلاً عن شركة كانتاس للخطوط الجوية : طائرة أيرباص من طراز (A380 ) تتعرض لحادث ” . بعد عشرين دقيقة من هذا الخبر هبطت الطائرة في سنغافورة ، لتفاجأ بأنها أصبحت خبراً عالمياً .
قبل الحادثة المذكورة كانت الطريقة الأمثل للتعامل مع أزمات الطيران تقوم على نظرية ( الساعة الذهبية ) ، و هو الوقت الذي تمتلك فيه شركة الطيران الفرصة لتثبت نفسها كمصدر موثوق للمعلومات و تحاول تفسير الأحداث قبل أن يمتلئ هذا الفراغ بالمعلومات المغلوطة و التكهنات ، و بناء على ذلك تعقد شركة الطيران خلال الساعة الأولى اجتماعاً لفريق إدارة الأزمات الخاص بها و تبدأ بجمع مصادرها و تنظيمها لإصدار ” البيان الأولي ” الذي يجب أن يذكر فيه إقرار بتورط شركة الطيران في الأمر و تأكيد للحقائق المتوفرة إلى جانب وصفه تحركات الشركة المباشرة و أولوياتها .
لم تتوقع شركة كانتاس للطيران حجم التقارير التي نقلها ” المواطنون الصحفيون ” الذين عملوا مثل جيش إعلامي فائق التدريب و انتشرت تقاريرهم عبر شبكة الإنترنت كالنار في الهشيم فشلّت جميع الإجراءات المذكورة سابقاً التي تهدف لاحتواء الأزمة ، حتى بينما كان يتم إخلاء الطائرة في سنغافورة و في الوقت الذي كانت فيه شركة كانتاس للخطوط الجوية تقوم بإعداد بيانها الأولي ، كان ركاب الطائرة يرفعون الصور و مقاطع الفيديو الخاصة بالحادثة و يصفون مواجهتهم للموت الوشيك عبر هواتفهم الذكية .
عن هذا الموضوع يضيف آلان جويس المدير التنفيذي للشركة في حديثه لصحيفة إيشان وول ستريت بعد عدة أسابيع من الحادثة ” كنا مستعدين للصحافة التقليدية و عقدنا مؤتمراً صحفياً عند الرابعة عصراً من ذلك اليوم ترأسته بنفسي كما أصدرنا بياننا الصحفي بعد نصف ساعة من معرفتنا بالمشكلة ، لكن فاتتنا مسألة [ الصحافة الاجتماعية ] بأكملها . “
ظهور الحاجة لطرق جديدة
أدركت شركات الملاحة الجوية فجأة و على مضض أن نظرية ” الساعة الذهبية ” لم تعد قابلة للتطبيق ، إذاً يجب إيجاد طريقة جديدة تحتضن الصحافة الاجتماعية باعتبارها قناة تواصل بالغة الأهمية في أوقات الأزمات . لذا طُلب من اتحاد النقل الجوي الدولي ( IATA ) إيجاد إرشادات من أجل ” أسلوب أمثل ” جديد يضع و للمرة الأولى قواعد و مسؤوليات واضحة لجميع الأطراف المعنية بالاستجابة لحوادث الطيران الرئيسية و يقدم نصائح حول الطرق المناسبة لإيجاد حضور و جمهور داعم على شبكة الإنترنت خلال أوقات الرخاء و كيفية إشراكهم في أوقات الشدة و الأزمات .
تم نشر الإرشادات في العام الماضي 2012 و هي تمثل حلولاً ليس فقط لشركات خطوط الطيران ، بل لصناعة الملاحة الجوية برمتها بما فيها شركات صناعة الطائرات و المحركات و المطارات و مزودو التحكم بالمرور الجوي إلى جانب هيئات التحقيق في الحوادث و المؤسسات الحكومية . كما تمثل نموذجاً يمكن أن تتبناه أية شركة أو مؤسسة من أي قطاع اقتصادي يواجه تحديات إدارة الأزمات سريعة التفاقم التي تغذي نارها تغريدات المواطنين الصحفيين و مدوناتهم و الصور و مقاطع الفيديو التي يضعونها للجمهور المتصل بشبكة الإنترنت في شتى أرجاء العالم و يتابع الأحداث لحظة بلحظة .
للاطلاع على هذه الإرشادات باللغة الإنجليزية ، يمكنكم زيارة الرابط التالي على موقع اتحاد النقل الجوي الدولي ( IATA ) :
http://www.iata.org/publications/Pages/crisis-communications-guidelines.aspx
تحذير واجب :
لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية.
يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام :
info@ipra-ar.org
info@sia-sy.net