في العام 1967 و عقب الهزيمة بساعات خرجت الجماهير العربية تطالب الرئيس المصري جمال عبد الناصر بالتراجع عن استقالته التي أرجعها لمسؤوليته عن الهزيمة، وذات الجماهير خرجت في العام 1968 احتجاجاً على ما سمي بمحاكمات الطيران وترددت للمرة الأولى شعارات ضد عبد الناصر و نظامه.
وفي العام 1977 شهد الشارع المصري تظاهرات هي الأوسع والأعنف في تاريخه المعاصر، ضد سياسات الرئيس أنور السادات، و ذات الجماهير خرجت في العام التالي مؤيدة لسياسات السادات التي بدأت مع زيارته للقدس، مدشّناً لنهج في الصراع مع العدو الصهيوني يقوم على حل الصراع عبر المفاوضات، وهي نفسها الجماهير التي عبرت عن رفضها لتلك السياسات، وتجسد ذلك واضحاً في موقفها من اغتياله في ذكرى حربٍ كانت قد أكسبته حضوراً شعبياً.
وفي العام 1989 تمردت الجماهير الألمانية على جدار برلين الذي كانت قد بنته بسواعدها عقب الحرب العالمية الثانية.
وفي العام 2006 تحركت الجماهير في العالم الإسلامي احتجاجاً على رسوم مسيئة للرسول الأكرم كانت قد نشرت قبل تحركها بأشهر، و ذات الجماهير لم تحركها الإساءات التي سبق وتعرض لها الرسول والإسلام من قبل رؤساء ومسؤولين في أمريكا والعالم الغربي.
وفجر العدوان الصهيوني على لبنان غضباً شعبياً عربياً وإسلامياً تجاوز الغضب على ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان همجي و يومي على مدى سنوات.
تلك الظواهر تطرح العديد من التساؤلات أولها متى تتحرك الجماهير؟
وثانيها لماذا تتحول الجماهير من الدفاع إلى الهجوم؟
وثالثها متى تتحول القناعات إلى أفعال؟
وأخيراً ماذا يطلق على مسببات تلك الظواهر؟
إنه الرأي العام الذي يمثل خلاصة آراء مجموعة من الناس أو الرأي الغالب، أو الاعتقاد السائد لدى شريحة واسعة من الجمهور تجاه أمر ما أو ظاهرة ما أو موضوع ما، قد يكون اجتماعياً أو ثقافياً أو اقتصادياً أو سياسياً، ذا طابع محلي أو وطني أو إقليمي أو دولي ويكون لهذه الظاهرة تأثير في الموضع الذي توضع به.
ونظراً لأهميته استحوذ الرأي العام على اهتمام الساسة ورجال الدولة على اختلاف أنظمتهم السياسية ديمقراطية منها والديكتاتورية.

في المفهوم والغايات
إن الدور الذي يمارسه الرأي العام في صنع القرار وحجم هذا الدور وصعوباته، والتفاعل الطبيعي بين قرارات السلطة السياسية واتجاهات الرأي العام، هو الذي يضمن الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي في أي مجتمع من المجتمعات، ويرتبط دور الرأي العام في صنع القرارات بمدى تمتع المجتمع بالحريات العامة، وبطبيعة النظام السياسي والفلسفة التي تحكم هذا النظام، فالحريات العامة هي التي تصون وتكفل الرأي العام مع التـأكيد على أن هذه الحالة هي نتاج لتراكم الممارسات الديمقراطية التي تبدأ من نواة المجتمع ـالأسرة ـ وتنتهي في المجتمع الكبير الذي تحكمه أنظمة سياسية لها طبيعتها وفلسفتها السياسية –الاجتماعية والاقتصادية والتي تحدد دور الرأي العام فيصنع القرارات.
عندما نتحدث عن دور الرأي العام في صنع القرارات يجدر بنا أن نتحدث عن القوى السياسية في المجتمع، وضرورة التفريق بين نظام الحكم والنظام السياسي، فنظام الحكم هو ما تحدده النظم والقوانين الدستورية وهو الإطار المحدد للسلطات الثلاث: التشريعية، التنفيذية والقضائية، أما النظام السياسي فلا يقف عند هذه الحدود، بل يمتد ليشمل القوى غير الرسمية، فإلى جوار السلطات الثلاث ثمة قوى أخرى تعمل على تكوين النظام السياسي وتؤثر في كيانه وتحدد خصائص صنع القرار السياسي فيه.
إن النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية والقوى المؤثر فيه والتي تتمثل في مؤسسات صنع السلاح والشركات النفطية الكبرى التي تربطها علاقات وثيقة مع السياسة تمثل مثالاً حياً فنرى أن هناك علاقة وطيدة ومؤثرة مع النظام السياسي، علاقة وثيقة مع نظام الحكم في أمريكا، بالإضافة إلى منظمات الضغط (اللوبي) الصهيونية منها وغير الصهيونية.
وهكذا فان النظام السياسي يلعب دوراً هاماً في تحديد طبيعة العلاقة بين السلطة الحاكمة والشعب وتختلف هذه العلاقات تبعاً لاختلاف طبيعة النظام السائد في المجتمع، كذلك تؤثر النظم السياسية المعاصرة الديمقراطية منها وغير الديمقراطية في تشكيل الرأي العام وذلك من خلال التأثير المتبادل بين النظام القائم والرأي العام.
ولا يمكن إغفال آليات التأثير على الرأي العام و التي تستخدم فيها كل أشكال الدعاية الممكنة و التحليل الإعلامي .
إن الساسة الأمريكيين يطرحون نظرية أو قضية معينة و يجيشون كل وسائل الإعلام الأمريكية لتبني هذه القضية الأمريكية بالترويج لهذه النظرية، مثال ذلك ما قامت به إدارة بوش بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول ) 2001، فقد روجت لقضية محاربة الإرهاب باعتباره يشكل خطراً على حياة المواطن الأمريكي و بعد أشهر هيأت الرأي العام الأمريكي لقبول الدخول بهذه الحرب من خلال خلق حالة رعب لدى الشارع الأمريكي من خطر الإرهاب الآتي من أفغانستان والعراق.

أرضية الرأي العام
إن هناك ثلاثة عوامل تعتبر أرضية مناسبة لدراسة الرأي العام. خاصة وان بعض المختصين يرون أهمية كبيرة للأرضية التي يجب ان يستند ويقف عليها الرأي العام.
العامل الاول، ان الرأي العام إطار مفيد ومناسب من خلاله يعلن المرء رأيه في القضايا الجارية في المجتمع، والثاني ان الرأي العام يملك القدرة على زيادة درجة التضامن بين إفراد المجتمع واتجاهاته المختلفة، أما العامل الثالث فيتمثل في قدرة الرأي العام على إخراج الأفكار والمعتقدات الخفية من الزوايا القابعة فيها الى السطح وطرحها على جميع الأفراد.
إذا ما رغبنا بإعطاء مثال عن العامل الأول والثاني فنقول أن الحدث الكبير والانتصار التاريخي للمقاومة في لبنان وتداعيات هذه المعركة التي استمرت لأكثر من شهر كانت نموذجاً واضحاً حيث أعلن الشارع العربي والإسلامي بكل تياراته وطوائفه ومذاهبه وقوفه إلى جانب المقاومة الوطنية اللبنانية، أن يخرج الفلسطينيين في الضفة والقطاع و حتى أراضي 48 لدعم المقاومة بحكم المعاناة المشتركة وهذا ليس بالغريب، و لكن أن يخرج الأزهر وسنة باكستان وماليزيا واندونيسيا لدعم المقاومة الإسلامية “الشيعية” في لبنان وهذا يشكل العامل الثالث، و هو قدرة الرأي العام على إخراج الأفكار والمعتقدات وطرحها إلى العلن.

عناصر أخرى
وتجدر الإشارة إلى عناصر أخرى تساعد على تكوين الرأي العام منها ارتفاع مستوى التعليم وزيادة عدد المتعلمين والمثقفين وخاصة بين الشباب، فالتحقيقات التي جرت بهذا الخصوص أشارت إلى أن الطلاب وانطلاقا من الحياة الاجتماعية التي يعيشون في أجوائها وبسبب ارتفاع مستواهم الثقافي يلعبون دوراً مؤثراًً في تشكيل الرأي العام بل وسوقه بالاتجاه المطلوب وتحقيق الغايات المرجوة، إضافة إلى النشاط الاجتماعي، لأصحاب المهن الحرة وسكان المدن والتشكيلات المنسجمة الذين يتركون بصماتهم الواضحة في تشكيل الرأي العام وظهوره.
وفي المجتمع الذي تحمل فيه المشاركة السياسية معانيها القانونية والحقيقية يكون الرأي العام أكثر قوة وأكثر وضوحاً، خاصة إذا كان هذا المجتمع يرى فينفسه القدرة على إحداث تغييرات أساسية في الأوضاع والقوانين الاجتماعية الحاكمة فيه.
ويمكن القول أنه كلما كان المسؤولون الاجتماعيون والزعماء السياسيون في المجتمع أكثر ظهوراً أمام الناس وعبر الندوات والمؤتمرات والاجتماعات حول القضايا التي يعيشها المجتمع يصبح الرأي العام في ذلك المجتمع أكثر وضوحاً وشفافية منه في غيره من المجتمعات التي يختار زعماؤها الاجتماعيون والسياسيون الحياة في الظل بعيدا عن الأضواء أو قد لا يستطيعون رغما عنهم الكشف عن وجودهم وهويتهم بشكل علني خشية التعرض لعقاب الأنظمة الحاكمة، حيث يكون الرأي العام في هذه الحالة باهتاً وضعيفا ولا يقدر على التعبير عن نفسه وعن موقفه ازاء القضايا الجارية في المجتمع.
وهكذا فإن الرأي العام يتكون في الظروف والحالات التالية:
أولاً: عندما تتحول قضية غامضة في المجتمع إلى قضية واضحة يمكن لجميع الإفراد ان يستوعبوها ويدلوا برأيهم تجاهها، وفي هذا الإطار كلما ازدادت شفافية المجتمع سياسيا وثقافيا واجتماعيا كان الرأي العام أيضا أكثر وضوحا وظهوراً. ولعل ابرز إشكال هذا الظهور هو سخونة سوق المنافسة بين أفراد الاتجاهات المختلفة.
ثانياً: ليس بالضرورة ان يتشكل الرأي العام تحت تأثير الإعلام والدعايةفالدعاية تؤثر في قوة الأرضية التي يقف عليها الرأي العام. ولا تخلق قضايا جديدة. بل تجعل اعتقاد الناس بتلك القضايا قوياً وراسخاً.
ثالثاً: تعتبر نظرة الناس ودرجة ثقتهم بوسائل الإعلام أرضية أساسية لظهور الرأي العام وإيجاد ثقة لدى الناس تجاه العوامل الأخرى.
رابعاً: يتشكل الرأي العام حين يشعر المجتمع بأنه صاحب دور ورأي في قضاياه وشؤونه سواء كان ذلك بالسلب أو الإيجاب.
خامساً: يكون تشكيل الرأي العام سريعا جدا في القضايا التي جربها المجتمع من قبل ولا تشكل شيئاً جديدا بالنسبة له.
وعلى الرغم من الأهمية البالغة التي يتمتع بها الرأي العام إلا انه ليس لغزاً غير قابل للمعرفة، بل هو ظاهرة قابلة للدراسة والتحقيق والتكهن بمختلف جوانبها، ولهذا السبب نشاهد ان لهذه الظاهرة موقعا خاصا في الدراسات الحديثة وخاصة تلك التي تتناول قضايا الإعلام ووسائل الاتصالات. فالرأي العام لا يمثل مجموعة من الآراء المختلفة، وانه هو محصلة تداخل وتشابك الاتجاهات المختلفة في المجتمع القائم على أساس التفاهم والتنافس، وتتجلى بأروع صورها من خلال الانتخابات.

دراسات الرأي العام وعمل الأحزاب السياسية
يشكل الرأي العام محصلة الآراء والأفكار ومن ثم الأحكام السائدة في المجتمع في فترة زمنية محددة، وهذه الظاهرة أي (تَشكل الرأي العام) يمكن أن تكتسب صفة الاستقرار طالما لم تحدث متغيرات جوهرية تؤثر عليها، أو تشكلت معطيات جديدة يمكن على أساسها أن يتكون رأي عام جديد، وتختلف في وضوحها ودلالاتها بين مرحلة وأخرى، في مدى وعي الأفراد والجماعات، ولكنها تصدر عن اتفاق متبادل وغير واعي بين غالبيتهم رغم اختلافهم في مدى إدراكهم لمفهومها، ومبلغ تحقيقها لنفعهم العام ومصلحتهم المشتركة.
وقد يكون الرأي العام ظاهراً ومعبراً عنه، أو يكون كامناً، وفي الحالة الأولى تشترك أجهزة الإعلام المختلفة والمنظمات السياسية والاجتماعية والثقافية في التعبير عنه، ويتضح مثل هذا الرأي في الانتخابات العامة، وعند وقوع أحداث هامة، وقد يظل الرأي العام كامناً لأسباب سياسية أو اجتماعية، ولكنه لا يلبث أن ينفجر عندما تزول الأسباب المعوقة لظهوره، وهنا يصدق تعريف الرأي العام بأنه ذلك (الرأي الذي يشترك فيه غالبية الناس، ويلفت نظر السلطات العليا التي تستطيع أن تكيف نفسها معه فيحدث التطور، أو تفشل فيم لاحظته والتكيف معه فتصبح الثورة حتمية لا مفر منها)، وفي واقع الأمر أصبحت استطلاعات الرأي العام، جزء لا يتجزأ من السياسة المعاصرة ومن غير المحتمل أن تتراجع أهمية الاستطلاعات السياسية في المستقبل المنظور، بل إنها تؤدي دوراً آخذ بالتزايد والتوسع، وتهتم المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بقياس الرأي العام ودراسته ومعرفة اتجاهاته من خلال استطلاعات الرأي الدورية أو الطارئة، وتعتمد الهيئات البحثية والمتخصصة في عملها، ولتحقيق أغراضها على ثلاثة أنواع من الاستطلاعات هي:

1ـ الاستطلاعات الدورية:
• 
استطلاع حول الأوضاع السياسية، يتم تنفيذه عادة بشكل ربعي أي كل أربعة أشهر، ويشمل العديد من الأسئلة المتعلقة بالشأن السياسي العام، وحجم التأييد للتحركات السياسية، ورأي المواطن في مستوى أداء المؤسسات الحكومية والحزبية، إضافة إلى العديد من الأسئلة التي يجري اختيارها والتركيز عليها تبعاً للمرحلة السياسية، وذلك بهدف التعرف على رأي المواطن فيها.
• 
استطلاع حول الأوضاع الاقتصادية، يتم تنفيذه كل ستة أشهر ويتضمن أسئلة تتعلق بالأوضاع الاقتصادية مثل مستوى دخل الفرد، والأسعار والوفرة، ورأي المواطن في السياسة الاقتصادية المتبعة ورأي المواطن في كيفية القضاء على التضخم والبطالة.
2
ـ الاستطلاعات الطارئة:
وهي استطلاعات يتم إعدادها عندما يطرأ حدث معين، تظهر خلاله الحاجة إلى معرفة رأي المواطن في أسرع وقت.
3
ـ المسوح المتخصصة:
وهي عبارة عن دراسات مسحية لقطاعات، أو فئات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية محددة يتم اختيارها وفقاً لطبيعة أهداف المسح، ولا يتبع فيها نظام المعايير الثابتة في اختيار العينات أو صياغة الأسئلة أو تحليلها.

الديمقراطية واستطلاعات الرأي العام
يمثل استطلاع الرأي العام ابتكاراً اجتماعياً لا يمكن فصله عن النسيج المؤسساتي الذي يعمل من خلاله، ويعني ذلك أنه مهما جرت صياغته في تعبيرات علمية ، فهو في المقام الأول أداة تخدم أهدافاً مؤسساتية، حيث يكون وسيلة للتحقق من عادات وأولويات الأفراد والجماعات التي توفر في حالة كفاية خطة البحث مؤشرات صحيحة ظاهرياً للمواقف أو الخيارات القومية أو الإقليمية أو المحلية.
وتقدم استطلاعات الرأي تدفقاً فعالاً ثنائي الاتجاه للمعلومات بين صانع القرار من جهة والجمهور من جهة أخرى، وطبقاً لهذه النظرة، فإن رغبات وميول الجمهور تُزود، متى يتم التأكد منها، صانعي السياسات بالمدخل الذي يتيح لهم إصدار قرارات عقلانية مبنية على أساس ديمقراطي، فالديمقراطية تتعزز من خلال الاستطلاعات التي تتيح إمكانية التعبير عن إرادة الشعب ووجهات نظره بصورة دورية.
ولابد من التأكيد على أن استطلاعات الرأي تكتسب مصداقيتها ودقتها عبر التواصل والتجربة والتربية إنها أداة ديمقراطية غير استعراضية، باعتبار أنها تكشف عن الرأي العام والتوجه، عبر كم غير متعين من الناس، لذلك فهي أيضاً معين أساسي لطرد الخوف من إبداء الرأي، وشيئاً فشيئاً تصبح الاستطلاعات تعبيراً أميناً عن واقع الرأي العام، مع نسبة خطأ متغيرة وبسيطة لا تؤثر على اتجاه صنع القرار، ويمثل استطلاع الآراء أيضاً دليلاً واضحاً على ازدياد المشاركة الجماهيرية في السياسة الوطنية، وذلك تميز اًل هذه المشاركة عن تلك في المنظمات ذات الطابع المحلي أو مؤسسات المجتمع المدني، وعليه فإن عملية استطلاع الآراء علامة على الآثار التي أفرزها النمو السكاني والتحضر ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية على السياسة والأحزاب السياسية في الوقت الذي تتفاعل فيه المنظمات الحزبية على الصعيد الاجتماعي مع واقعها وتؤثر فيه وتتأثر به.
بيد أن هناك العديد من الانتقادات الموجهة لاستطلاعات الرأي العام من قبل بعض علماء الاجتماع، حيث يعتبر هؤلاء العلماء إن افتراضات المستطلعين تقوم على افتراضات خاطئة، كما أن طرق جمع العينات وصياغة الأسئلة والأساليب التحليلية أساليب ناقصة أو سطحية أو الأمران معاً، أما ما يثيره الكثير من الساسة والمحللين السياسيين وصانعي السياسة، من انتقادات فهي تأتي ارتباطاً بالكيفية التي تتأثر بها الحياة السياسية باستطلاعات الرأي العام، سواء لجهة تقوية الديمقراطية أو إضعافها، ويتركز ميل الانتقاد هنا إلى استخلاص مفاده أنها تضعف الديمقراطية، لجهة كونها تصنع الرأي العام وتؤثر على اتجاهاته.
رغم.. انعدام حالة سبر الرأي العام في كافة البلدان النامية، وبالذات فيما يتعلق منها بعمل وتنسيق أجهزة الإعلام الحكومية التي هي عادة المسؤولة مباشرة عن النشاطات الإعلامية المحلية، لكن تصورات خاطئة لم تؤدي بالرأي العام إلى نقطة التلاشي، فإعلامية الرأي العام في كل بلد نامي ما زالت مرتفعة السهم، والرأي العام في البلدان العربية والإسلامية حول أمر ما، مازال يتمتع بقوة معنوية عالية في مجتمعه المعني، وهو رأي بقدر ما يفتش بحيوية عن الحقيقة، لكنه رأي جدير ببنائيته وبنقائه وبوعيه، وهو رأي دائم التعبير بعفوية إيجابية.

تقييم الرأي العام
ثمة مجموعة من المبادئ التي يمكن استخلاصها من الخصائص السابقة لسلوك الرأي العام وهي:
1
ـيبدأ الرأي العام كامناً حتى تظهر قضية تُخرج هذا الرأي العام الكامن ليصبح ظاهراً وهذا يحدث عادة عندما يكون هناك أزمة، أو خيبة أمل تجاه قضية معينة .
2
ـيتحقق التطابق والاتفاق بالنسبة للرأي العام عندما يقوم الجمهور بعملية إسقاط معارفهم واتجاهاتهم إلى الآخرين .
3
ـ يكشف الرأي العام عن نفسه حينما تكون قوة التأثير كبيرة أو عندما يكون التعبير عن الاتجاه بالأفعال والنتائج الطيبة أكثر من النتائج السيئة.
هناك إذن مجموعة خصائص يجب أن يضعها الباحث في اعتباره عند تقييم الرأي العام أو دراسته وهي :
ـ مدى انتشار الرأي العام بين الجمهور الذي يقاس رأيه حول قضية أو موضوع سواء كان هذا الجمهور عاماً أو نوعياً
ـ استمرار الرأي العام حول قضية معينة بالفترة الزمنية لهذا الاستمرار
ـ شدة الرأي العام وقوته بين الجمهور إزاء القضية أو المشكلة أو الموقف
ـ عقلانية الرأي العام ومدى ارتكازه على أسس منطقية وموضوعية مقبولة
ـ الرأي العام يمثل سلوكاً جمعياً كامناً في بعض المواقف وظاهراً في بعض المواقف فقد يكون الرأي العام مجرد وجهات نظر أحياناً وقد يكون تعبيراً صريحاً لفظياً وحركياً.
ـ الرأي العام قد يكون مستمراً أو غير مستمر، وقد يكون مؤسساً على الترشيد و التعقيل الذي يقوم به الزعماء والمفكرون، وقد يكون تعبيراً عن البغضاء الذي تحمله الجماعة والآلام التي تقاسيها فيحتل الرأي محل العمل على إزالة هذا الشعور، وقد يكون أيضاً لتقليل أثر دافع أو رغبة لم تتحقق للتخفيف من حدة خيبة الأمل، فمع أن الرأي العام تعبير إرادي، إلا أنه أيضاً استجابة لمثيرات معينة
ـ الرأي العام هو الصور والأفكار في عقول الناس عن أنفسهم وحاجاتهم وأهدافهم وعلاقاتهم
ـ الرأي العام حساس بالنسبة للأنباء والأحداث الهامة وتزداد هذه الحساسية بازدياد أهمية تلك الأنباء والأحداث
ـ الرأي العامل الساكن أو الكامن يتحول إلى رأي عام صريح إذا ظهرت قضية هامة بعد حدوث قلق أو تصادم أو هزيمة أو خيبة أمل
ـ الرأي العام الباطني يفصح عن نفسه أي يتحول إلى رأي عام ظاهري إذا أصبح للقضية قوة كبيرة وفي هذه الحالة يكون للتحول نتائج إيجابية ناجحة
ـ من الصعب خداع الرأي العام إذا كان عالماً بكل أطراف الموضوع أو القضية التي تكون الرأي حولها
ـ قد تكون ثمة رأي عام حول بعض المشكلات ولكن لا يستطيع الرأي العام التوصل إلى حل لها.
ـ الحوادث الضخمة تجعل الرأي العام غير مستقر أو في حالة تذبذب شديدة ولفترة مؤقتة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو من النقيض إلى النقيض ذلك أن الرأي العام لا يتسم بالاستقرار إلا إذا نظر الناس إلى الأحداث نظرة تفكير وتعقل. يتبع

تحذير واجب : لا يجوز نشر من هذا المقال أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع أو نقله على أي نحو، أو بأي طريقة كانت (إلكترونية أو ميكانيكية) أو خلاف ذلك، دون ذكر المصدر بشكل واضح ودقيق. تحت طائلة المسائلة القانونية.

يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام :

info@ipra-ar.org

info@sia-sy.net