مقال قادة الفكر من إيبرا #217

هيل بيرغ

ممارسة علاقات عامة من معهد تشارترد، ومستشارة في العلامات التجارية والعلاقات العامة في المملكة المتحدة.

ترجمة: عنان تللو

أنشأت مجموعة من الشباب الذين يواجهون تحدياتٍ تتعلق بالصحة النفسية، حملةً احترافية توّجت بعدة جوائز، في سبيل محاربة الوصمة النفسية المرتبطة بهكذا أمراض، وتغيير الخدمات المتعلقة بها نحو الأفضل.

هيل بيرغ

إن تنوّع وسرعة تطوّر المهن المتعلقة بالعلاقات العامة، يعني أنه دائماً لدينا شيءٌ نتعلمه. والدرسٍ الذي أريد طرحه اليوم يكمن في الاستفادة من الاستماع إلى العملاء ومشاركتهم – لا سيما إذا كان عملاؤك مجموعةً فريدة من مرضى الصحة النفسية المراهقين، الذين يسمون أنفسهم “فريش” (منتعشون).

ورغم الصعاب، أنشأ هؤلاء اليافعون حملةً حازت على عدة جوائز، وغيّرت الخدمات إلى الأفضل، وبدأت مشوارها نحو تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الصحة النفسية.

ويبدو نجاح هذه المجموعة مثيراً للاهتمام بشكلٍ كبير. أولاً، لقد تركت مجموعة من اليافعين الذين يعانون تحدياتٍ تتعلق بالصحة النفسية، أثراً واضحاً على وديعة بقيمة 300 مليون جنيه استرليني لهيئة الخدمات الصحية الوطنية “NHS“، بالإضافة لتأثيرهم في سياسيين، وخبراء صحة، والعوام. ثانياً، تمكنوا من العمل بفعالية رغم أن أعمارهم تتراوح بين 13 و17 عاماً، كما أنهم يفتقرون للمعرفة بنظريات الاتصال، وسياسات “هيئة الخدمات الصحية الوطنية”، والحياة المهنية.

التقيت بهذه المجموعة عندما عملت مدير تسويق وتواصل بمستشفى “ألدر هيي” في ليفربول، والذي يعد أكبر وأهم مستشفىً للأطفال في أوروبا. وقد تم إنشاؤها نتيجة لإعادة تنظيم الخدمات أوائل عام 2014. وأراد أعضاؤها رؤية “نهجٍ جديد” لخدمات الصحة النفسية للأطفال والشباب، وكانوا متحمسين لـ”تحطيم الوصمة النفسية” كنتيجة لتجارب حياتهم.

يعملون من أجل التغيير، لا المال

رفضت المجموعة منذ البداية أن يتم دفع مصاريفهم، مبينين أنهم لم يريدوا المال كي لا يعتقد الناس بأنه دافعهم الرئيسي، ففي الواقع، كانت رسالتهم هي تغيير النظام. وأعادوا التفاوض بشأن استخدام النفقات كميزانية يمكن التحكم بها، ما منحهم نفوذاً أكبر داخل المنظمة.

وافقت المجموعة على الاجتماع مرةً كلّ أسبوع بهدف “تحسين الخدمات ومحاربة الوصمة النفسية”، وأوجدوا ميثاقاً للمشاركة، وضعوا فيه قوانين المشاركة بالتعاون مع “أمانة هيئة الخدمات الصحية الوطنية”. واتفقوا على التغييرات التي أرادوا رؤيتها، وأصروا أن يكون هناك تدخل مباشر من إدارة المستشفى، بدل إعطاء الملاحظات بشكلٍ غير مباشر.

وكانت أول تجربةٍ لي مع “فريش” عندما دعيت إلى فعالية طرحوا من خلالها رسالتهم التي يصبون إليها، وطلبوا الدعم. وكانت قصصهم مؤثرةً للغاية، لدرجة أنّ أحد الحضور، والذي جاء من وكالة التسويق المحلية “كاليدوسكوب”، عرض عليهم خدماتٍ مجانية بقيمة 25 ألف جنيه استرليني. واتفقنا معاً على استضافة ثلاث ورشات عمل للتخطيط المشترك.

وفي حين جعلتني طاقة المجموعة متحمسةً جداً، وجدت أن نهجهم الغير تقليدي تحدٍ كبير. لكن في نهاية المطاف، وجدنا طريقةً للعمل، بحيث شرحت لهم كيفية التخطيط لحملة بخطواتٍ بسيط، وانطلقوا نحو إنشاء خطة. وركّزت الخطة على تحسين الخدمات (اسم جديد، مبانٍ، وإشراك المرضى)، وعلى حملة اتصال ذات أهداف وقنوات واضحة. وقد وصف معهد تشارترد للعلاقات العامة “CIPR” هذه الخطة في وقتٍ لاحق بأنها “من الدرجة الأولى”، واعتبرت دليلاً لأفضل الممارسات.

فيلاس الضفدع

أحد أفراد المجموعة كانت تدرس تصميم الغرافيك، لذا عملت مع الفريق الإبداعي في “كاليدوسكوب” لتصميم هوية الحملة ومحتواها. وكانت إحدى أنجح أفكارها صناعة لعبة صغيرة على شكل ضفدع، وسميناه لاحقاً “فيلاس الضفدع” (Phileas Frog)، تيمناً بفيلاس فوغ في كتاب جولزفيرن (1)، بعد أن أجرينا استطلاعاً على وسائل التواصل الاجتماعي. وتم تصوير فيلاس منذ ذلك الحين في أماكن بعيدة، مثل نيويورك والفاتيكان، ومع النواب داخل “وستمنستر”.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2014، تم افتتاح اجتماع مجلس إدارة “ألدر هيي” بعرض مجموعة من اليافعين فكرتهم لـ”فريش”. ووصف الموظفون والمشاركون رد رئيس مجلس الإدارة آنذاك بـ “اللحظة سعادة الحملة”. وشكر رئيس مجلس الإدارة المجموعة على خطتها المدروسة والمهنية، وقال أنه سوف يدعمهم إذا تمكنوا من تقديم أدلة من يافعين آخرين أنّ هذه الفكرة جيدة.

عملت مع المجموعة على أمورٍ تتعلق بالميزانية، بينما أجروا بحثاً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 مع موظفين وشباب يافعين. وتم تقديم النتائج وحصلنا على الموافقة للبدء بالعمل، وكان ذلك حافزاً لتوفير ميزانية صغيرة من أجل إنشاء موقعٍ إلكتروني للحملة. ومجدداً، أصرت المجموعة على التعاون في إنشاء موقعٍ إلكتروني تفاعلي فريد من نوعه. وغطّت الميزانية إنتاج بروشور، ولوحات إعلانية، وبضائع. وفي مايو (أيار) 2015، اعادت المجموعة عرض فكرتها على مجلس الإدارة وتم إطلاق الحملة.

وكانت نتائج الحملة غير مسبوقة، وشملت تأييداً من قادة هيئة الخدمات الصحية الوطنية “NHS“، ومشاهير، وسياسيين محليين ووطنيين، والوصول إلى جمهورٍ من حوالي نصف مليون شخص مباشرةً ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وشملت النتائج اللاحقة اسماً جديداً للخدمة (فريش لخدمات الصحة النفسية للأطفال والشباب)، ومشاركة الشباب على نطاقٍ واسع كموجهين لأقرانهم، وفي لجان التوظيف، والانتقال الناجح إلى أماكن جديدة.

وحصلت المجموعة على جائزة “أفضل حملة رعاية صحية” من “جوائز معهد تشارترد للعلاقات العامة الفخرية” عام 2015:

https://www.cipr.co.uk/sites/default/files/Alder%20Hey%20-%20Public%20Sector.pdf

عشرة عوامل للنجاح:

قاد نجاح المجموعة المهنيين المعنيين للتفكير بالعوامل التي أدت إلى هذا النجاح. ظهرت عدة مواضيع وتمت المصادق عليها بقوة ضمن مقابلاتٍ مع أصحاب المصلحة.

1- عَيش التجربة

يقول الطبيب النفسي، سيمون لويس: “خاض جميعهم تجربةً سيئة حولوها إلى أمرٍ جيد، آملين أن تكون تجربة الآخرين أفضل.” جرب جميعهم الوصمة النفسية في مجتمعاتهم، وخاصةً في المدرسة.

إن الناس الذين لا يمتلكون المعرفة النظرية لكنهم عاشوا التجربة، أشدّ فعاليةً من أولئك الذين يمتلكونها، ويعود تاريخ هذه المعلومة إلى أرسطو (2). وفي سياق ديناميكيات السلطة (3)، من الممكن أيضاً أن نرى كيف أعطاهم موقفهم الشرعية والاحترام، أي صفة الخبرة التي تزيد فرصتهم للاستفادة من المستشفى – وحتى إمكانية الإكراه (على الرغم من عدم استخدامها مطلقاً)، من خلال علاقتهم بصناع القرار.

2- دعم المختصين

إن فكرة مشاركة المرضى حازت على ردودٍ متباينة من الكادر. وكان ضمن العوامل الرئيسية التي غيّرت نظرتهم، آراء ومساهمات العاملين الشباب المتخصصين في الفريق، الذين لديهم وجهة نظر مختلفة ونهج مختلف فيما يتعلق بالمشاركة، عن بعض الأطباء.

3- ثقافة الاندماج والمساواة

كانت العلاقات قائمةً على المساواة والاحترام المتبادل. وعندما دخل عضوان إلى المستشفى، لم يمانع الفريق استمرارهما بالعمل. وقال أحد المشاركين: “لقد زارونا كل يوم، وجاؤوا بالاجتماعات الأسبوعية إلينا. وكانت وجهة نظرهم أنه لم تكن هناك مشكلة، إذ أنه بإمكان المرء العمل والنجاح رغم مشاكل صحته النفسية. لقد دعمونا طيلة الوقت”.

كما أنني ووكالة الإعلان والمصممين، تبنينا المساواة، لكن بالتأكيد واجهتنا الكثير من التحديات حتى وصلنا إلى طريقة جديدة للتشارك.

4- الصداقة

كان هناك مشاعر صداقة وانتماء قوية، والتي وصفها سايمون لويس بـ”شعور بالأمن والقوة المبنيين على الثقة”.

5- روح الدعابة

لعبت الفكاهة دوراً رئيسياً في العلاقات – والتي أثبتت الأبحاث أن لها فوائد عديدة ترتبط ببناء العلاقة والتأثير والتغيير، إضافةً لتعزيز أداء الفريق.

6- الرفاهية

كما عزت بعض الآراء نجاح المجموعة إلى أنّ كل اجتماعٍ حقق “وسائل الرفاهية الخمس”: التواصل، والحرص، والاستمرار في العمل، والتعلم، والعطاء.

7- القيادة غير الرسمية

تلقت المجموعة دعم قائدٍ مميز، وهو جويل. ورغم أن دوره كان غير رسميّ، إلا أنه عُرف بين موظفي الأمانة والشركاء بصفته ممثل الشباب. واتفق الجميع على أن تسمية جويل بزعيم رسمي قد يتسبب باضطراب التوازن داخل المجموعة. لذا اعتبرت قياديّته مهارةً تكمل مهارات الآخرين.

8- الملكية والفاعلية

وظهر ذلك من خلال رفض الشباب للدعم المالي، والإصرار على المشاركة في العمل، ورغبتهم في علاقة مباشرة مع “المدراء”.

وأثبتت المجموعة فاعليتها من خلال نجاحهم، وصادق على ذلك قادة الأمانة (تغيير الاسم، والمباني والأدوار الجديدة)، والوكالات الخارجية (الجوائز، والبرنامج المدرسي). وأدى هذا إلى “نجاحٍ يصنع نجاحاً”؛ وهو مفهوم يعرف باسم الزخم النفسي (6).

9- التأثير والإقناع

كانت رواية القصة هي الخيط الذهبي على طول حملة “فريش”، بدءاً من اجتماع المجموعة مع صانعي القرار، مروراً باجتماعات مجلس الإدارة، ووصولاً إلى الانخراط مع جمهورٍ أوسع.

ويظهر ذلك جلياً من خلال أدلة وافرة حول استخدام رواية القصص في الاتصال التجاري، لا سيما في مجالات القيادة والتغيير التنظيمي.

10- الفوائد العلاجية

وكانت الفوائد العلاجية نتيجة مثيرةً للاهتمام من المجموعة “فريش”، رغم أن المشاركين والموظفين كانوا متأكدين أن هذا ليس من اختصاص المجموعة، حيث قال سايمون لويس: “فريش ليست مجموعةً علاجية على الإطلاق، كما أنها ليست خياراً للعلاج. ببساطة، لم توجد المجموعة لهذا. نريد أن نستقطب المتحمسين للتغيير. وتكمن القيمة المضافة في الكفاءة الذاتية”. ورغم ذلك، أكد شابان أنّ الحملة أنقذت حياتهم.

 (1) حول العالم في ثمانين يوماً، لجولز فيرن، رواية مغامرات كلاسيكية تم نشرها عام 1873

(2) 2009، استشهد بها في كتاب الأخلاق النيكوماشيانية. روس، د.، براون، ل. أوكسفورد. مطبعة جامعة أوكسفورد.

(3) 1959. تم الاستشهاد بها في الياس 2008: خمسون عاماً من التأثير في مكان العمل: تطوّر تصنيف القوة الفرنسية وقوة الغراب الأسود. مجلة تاريخ الإدارة 14 (3) P267-283.

(4) NEF 2008. خمس طرق نحو الرفاهية: الدليل. لندن. نيو إكونوميكس فونداتيون.

(5) إسو-أهولا أند دوتسون 2016. الزخم النفسي – مفتاح النجاح المتواصل. الحدود في علم النفس 7. P1328.