
دعونا الآن نتحدّث عن إفريقيا. وأعني بهذا إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (إفريقيا السوداء). هذا التعريف بحد ذاته بمثّل إشكالية، لكن سنناقش هذا الموضوع في وقتٍ آخر. أمّا في هذه المقالة، فسوف أسمّي إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى – والتي يصل عدد سكانها إلى مليار شخص (وسوف يصبح قريباً مليارين بحلول 2050) متوزّعين في 49 بلداً في جميع أنحاء الشرق والغرب والجنوب الإفريقي — بـ”إفريقيا”.
على مرّ السنين، سمعنا رواياتٍ عديدة في الإعلام عن إفريقيا، وغالباً ما كانت تركّز على جانبٍ واحد. ولفترةٍ طويلة، ركّز العالم على الرواية التي لا يمكنها رؤية سوى كل ما هو قبيح، والتي عُرِفت بـ”الذباب في الأعيُن”. وغالباً ما تستعمل المنظمات الإنمائية والجمعيات الخيرية أو المنظمات غير الحكومية هذه الرواية لجذب المعونات إلى إفريقيا. وما جعلها أكثر شعبية عام 1985 هي الأغنية الأميركية “We Are the World” التي أُهديَت إلى إفريقيا، تاليةً أغنية الفرقة البريطانية “باند إيد” عام 1984، والتي كان عنوانها “Do They Know it’s Christmas“.
كما سمعنا أيضاً وبكل وضوح رواية “القارة الميؤوس منها” (أراهن أنّ مجلة إيكونوميست لم تكن تتصوّر كم سيشتهر غلاف عدد شهر مايو 2000). هذه الرواية تسلّط الضوء على القضايا الاقتصادية، والانقلابات العسكريّة، والصراعات، والفساد، وما إلى ذلك.
وبالتأكيد، استندت هذه الرواية إلى حقائق. لم يكن الناس، ولا المجلات، ولا الدول تتآمر لرسم صورةٍ سلبية لإفريقيا. لم يكن أداء الكثير من الاقتصادات جيداً. قد حدث فسادٌ هائل وانقلاباتٌ عسكرية، ما أدى إلى ظهور دكتاتوريات وسلسلة طويلة من الاقتصادات التي تتم إدارتها بشكلٍ سيّء في العديد من البلدان.
ومن ثمّ جاءت رواية “إفريقيا الصاعدة” في الألفية الثانية، والتي أصبحت ذات شعبيّةٍ كبيرة بسبب غلاف عددٍ آخر من مجلة إيكونوميست وكتاب فيجاي ماهاجان الشهير، والذي يُبرِز “كيف أنّ 900 مليون مستهلكٍ إفريقي يقدّمون أكثر مما تتخيّل”. هذه الرواية غالباً تنظر إلى إفريقيا من خلال عدساتٍ ملوّنة، تركّز على النمو الاقتصادي السريع والحديث عن قارة “مليئة بالهواتف المحمولة والاقتصادات النشطة”.
وتستند هذه الرواية أيضاً إلى حقائق. تضمّ إفريقيا سبعةً من الاقتصادات العشرة الأسرع نمواً في العالم. باتت الانقلابات العسكرية جزءاً من الماضي إلى حدٍ كبير، وطوّرت بلدانٌ كثيرة برامجاً لمكافحة الفساد، ونمت الطبقة المتوسطة بشكلٍ كبير، وارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا إلى حدٍّ كبير. لا تزال الصراعات موجودة، لكنها ليست كما كانت عليه في السابق. الإرهاب الديني موجود، لكنه أيضاً موجود في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
خطورة “الرواية الواحدة” لا تزال موجودة
تطرأ تغييراتٌ كثيرة على الاقتصادات، ومع انخفاض أسعار السلع الأساسية، لم تعد تتمتع البلدان الإفريقية الغنية بالنفط بالنمو الذي شهدته خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، بل إنّ بعضها في حالة ركود، بينما يخرج بعضها الآخر حالياً من حالة الركود تلك.
رغم ذلك، تعد إثيوبيا أشرع الاقتصادات نموّاً في العالم، وجيبوتي وتنزانيا أيضاً ضمن أسرع 10 اقتصادات نمواً في العالم. وبفضل اخفاض أسعار النفط، تنمو اقتصادات بعض الدول الغير منتجة له. كما نمت بعض الدول الأخرى فقط لأنهم أجروا الإصلاحات المناسبة وحصدوا نتائجها.
إذن، ماذا نفعل؟ ففي ظل هذا الواقع الجديد، لا يمكننا ببساطة التركيز فقط على رواية “إفريقيا الصاعدة”. وفي الوقت نفسه، لا يمكننا العودة إلى رواية “القارة الميؤوس منها” ولا إلى “الذباب في الأعيُن”.
وتشكّل هذه النتائج المختلطة مشكلةً جديدة، إذ لا يمكننا أن نروي قصةً واحدة عن إفريقيا بعد أن بدأنا نرى الواقع المتمثل في مجموعة من البلدان المختلفة والتي يتميّز كل منها عن الآخر بشعوبٍ، ولغاتٍ، واقتصاداتٍ مختلفة—ففي القارة أكثر من 2000 لغة، وبعض البلدان الإفريقية تبعد عن بعضها أكثر من بعدها عن قارة أوروبا.
تأطير التصوّرات
دعونا إذن نتحدث عن إفريقيا التي تضمّ بلداناً، وثقافاتٍ، وشعوب متنوعة.
وسأعرض بعض الحقائق عن البلدان والشعوب الإفريقية، مع التركيز على نيجيريا (غرب إفريقيا)، وكينيا (شرق إفريقيا)، وجنوب إفريقيا. وينبغي أن يعطي ذلك تصوّراً أوسع بعض الشيء للمساعدة في وضع التصورات حول شبه القارة. وستكون بعض هذه الحقائق مادة مثيرة للاهتمام للحديث في حفلات الكوكتيل أو أي منتدى آخر يتناول موضوع إفريقيا.
نيجيريا
تُعدّ نيجيريا أكبر اقتصادٍ في إفريقيا استناداً إلى أسعار الصرف الحالية، وقد وصفت بأنّها قوة اقتصادية
فإن أكبر اقتصاد في أفريقيا يعتمد على أسعار صرف العملات الحالية (وعما إذا كنت نيجيريا أو جنوب أفريقيا) قد وصفت بأنها قوة اقتصادية.
كما أنها من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، حيث يبلغ متوسط إنتاجها مليونَي برميل نفط يوميّاً. وهي السابعة عالمياً من حيث عدد السكان، ويظهر تقرير الأمم المتحدة الأخير أنّ نيجيريا سوف تتفوق على الولايات المتحدة لتصبح ثالث بلد من حيث عدد السكان بحلول عام 2050، تاليةً الهند والصين. وهذا يجعلها سوقاً ضخمة للمنتجات الاستهلاكية وغيرها.
ولدى نيجيريا أربعة من المدن الأسرع نموّاً في العالم، إلا أنه بعد خروجها من الركود الناجم عن هبوط أسعار النفط، هناك مخاوف من أن تؤدي هذه الزيادة في عدد السكّان إلى شل البنية التحتية الضعيفةً أصلاً في نيجيريا.
وبحلول 2009، كانت صناعة السينما في نيجيريا، والتي تسمّى عادةً “نوليوود”، قد تفوّقت على هوليوود وأصبحت ثاني دولة في العالم من حيث حجم قطاع صناعة الأفلام، تاليةً بوليوود الهندية مباشرة. وفي 2014، أصدرت الحكومة النيجيرية بياناتٍ تظهر أن قيمة قطاع نوليوود وصل إلى 3.3 مليار دولار، حيث تمّ إنتاج 1,844 فيلمٍ خلال 2013 فقط.
ويقول النقاد أنه “رغم امتلاك نوليوود حجم قطاع صناعة أفلام ضخم، إلا أنها تفتقر إلى الإنتاج التوعي، ولا يزال على الممثلين الأفارقة الانطلاق عالمياً”.
لكنّ هذه الصناعة تتطوّر بسرعة، فهي حالياً الثانية عالمياً وشعبيتها كبيرة في إفريقيا وبين الأفارقة المنتشرين في العالم.
كينيا
وتعدّ كينيا من أكبر منتجي البن في العالم، ويُعتبر الشاي، والقهوة، والبستنة، والسياحة أكبر الصناعات التي تحرّك اقتصادها، والذي يُعدّ الأكبر في شرق إفريقيا.
وتشتهر بالحياة البرية الرائعة، ففيها الأسود، والفيلة، والنمور، ووحيد القرن، والجاموس، وبالتالي عُرِفت برحلات السفاري. كما أنها تتمتع بمدنٍ ساحلية جميلة، مثل مومباسا، وماليندي، وكليفي. يُحيط بمومباسا المحيط الهندي، مما يجعلها من أجمل الأماكن على الإطلاق.
ويتفوّق العدّاؤون الكينيون والإثيوبيون في السباقات المتوسطة والطويلة المسافات، حيث فاز الكثير منهم بماراثوناتٍ دولية وحصدوا بطولاتٍ أولومبية عِدّة على مر السنين.
جنوب إفريقيا
تُعرف غالباً بماضيها في الفصل العنصري والرئاسة اللاحقة لنيلسون مانديلا العظيم. لكن لا تقتصر قصة هذه الدولة على هذا، إذ تمتلك مدناً حديثة ومناظر جميلة، وهي الدولة التي تتحدى جميع الصور النمطية عن إفريقيا.
وعام 2006، كانت جنوب إفريقيا الأولى إفريقياً والخامسة عالمياً في الاعتراف بزواج المثليين. كما تمّ إجراء أول عملية زراعة قلب ناجحة في مستشفى غروت شور “Groote Schuur” في كيب تاون على يد الجرّاح جنوب الإفريقي، كريستيان برنارد.
وتمثّل جنوب إفريقيا ثاني أكبر اقتصاد في أفريقيا، وهي إحدى دول البريكس “BRICS“، التي تضم خمسة من أكبر الاقتصادات الوطنية الناشئة في العالم. كانت تُعرف المجموعة سابقاً ببريك “BRIC“، أي البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، حتى تمّ إدخال جنوب إفريقيا في 2010.
ولكون جنوب إفريقيا غنيةً جداً بالتعدين والمعادن، فإنها تعتبر رائدة عالمياً في هذا القطاع مع امتلاكها حوالي 90% من المعادن البلاتينية في الأرض، وحوالي 41% من الذهب في العالم. وقد تم العثور فيها عام 1905 على أكبر ماسة في العالم وسمّيت “كولينان” (3,106 قيراط) في منجم بريمير في بريتوريا.
وفيما يلي بعض الحقائق العشوائية
وانجاري ماثاي، ناشطة كينية من دعاة حماية البيئة، فازت عام 2004 بجائزة نوبل للسلام، لتكون بذلك أول امرأة إفريقية تحصل على هذه الجائزة. كما حصلت السيدتان الإفريقيتان، ناشطة السلام الليبيرية ليماه غبوي والرئيسة الليبيرية إلين جونسون سيرليف، على جائزة نوبل للسلام عام 2011. وحصل العديد من الرجال والنساء الأفارقة على جوائز نوبل للأدب، والسلام، والعلوم، والكيمياء.
فازت الممثلة الكينية لوبيتا نيونقو بجائزة أوسكار عن دورها في فيلم “12 عاماً من العبودية” (12 Years a Slave)، والذي شارك فيه أيضاً الممثل البريطاني النيجيري شيواتال إيجيوفور في الدور الرئيسي، ورُشِّح أيضاً لجائزة أوسكار.
في أغنية “فلوليس” (Flawless) التي أطلقتها عام 2013، أخذت بيونسيه جزءاً من خطابٍ ألقته الكاتبة النيجيرية الحائزة على جوائز، شيماماندا نغوزي أديش، والذي كان بعنوان “يجب أن نكون جميعاً نسويات (We Should All Be Feminists). هذا الخطاب ألهم أيضاً دار الأزياء الشهير “ديور” خلال حملة ربيع وصيف 2017.
تمتلك جنوب إفريقيا أحد أفخم القطارات في العالم. يمكن لـ72 راكباً السفر في قطارات “روفوس” الفخمة ذات الألواح خشبية. وتحتل الأجنحة الملكية نصف عربة، وتحتوي على حمامات كاملة الحجم، ودش منفصل، وسرير مزدوج ثابت، وكرسيين بمساند للأذرع.
تُعتبر لواندا، عاصمة أنغولا، أغلى مدينة في العالم للمغتربين، تليها هونغ كونغ، وفقاً لدراسة تكلفة المعيشة السنوية الـ23 التي أجرتها شركة ميرسر الاستشارية.
________________
من هي باتريشيا أوبوزوا؟
تشغل منصب مدير الاتصال والعلاقات العامة في شركة جنرال إلكتريك إفريقيا (جي إي إفريقيا) منذ أبريل (نيسان) 2012. وتقود باتريشيا فريقاً من خبراء الاتصال حول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لتبني وتحمي العلامة التجارية لجنرال إلكتريك وصورتها في شبه القارة.
كما أنشأت منصة المسؤولية الاجتماعية للشركات التابعة لجنرال إلكتريك إفريقيا، وتُعرَف المنصّة بجنرال إلكتريك كوجينجا (GE Kujenga)، وتهدف إلى تمكين الناس من خلال بناء مهاراتٍ قيّمة وتزويد المجتمعات بالأدوات والتكنولوجيا الجديدة، وتوظيف الأفكار المبتكرة التي تحل تحديات إفريقيا.
وأسست باتريشيا “جي إي لاغوس”، وهو مركز لتطوير مهارات التصنيع المتقدمة، أنتج أكثر من 100 خريج في نيجيريا حتى نوفمبر 2017.
باتريشيا أيضاً هي الشريك المؤسس لشبكة جنرال إلكتريك للمرأة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (GE Women’s Network for Sub-Saharan Africa).
وقبل انضمامها إلى جنرال إلكتريك، كانت رئيس قسم العلاقات الخارجية في نيجيريا ورئيس الاتصال في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في شركة بروكتر أند غامبل، حيث كانت رائدة في مجال العلاقات العامة وبنت فريق الاتصال في غرب إفريقيا من الصفر.
تحذير واجب .
لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية.
يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام :
info@ipra-ar.org
info@sia-sy.net
