
داني كوكس
رئيس التواصل ومسؤول التخطيط المالي لـ”تشارترد” في “Hargreaves Lansdown“، “السوبر ماركت الاستثماري” لمستثمري القطاع الخاص. ويتمتع داني بـ25 عاماً من الخبرة في مجال التمويل الشخصي، وعمل في “Hargreaves Lansdown” منذ عام 2001. حاصل على عدة جوائز في مجال التخطيط والاستشارات المالية.
ترجمة: عنان تللو
يتوقّع أرباب العمل عائداً على الاستثمار في تنمية الموارد البشرية. وهذا ليس سهلاً عند أخذ عقليات العديد من العاملين الأصغر سناً بعين الاعتبار.
داني كوكس
لابدّ وأن أبعث رسالةً نصية إلى ابني البالغ من العمر 24 عاماً، أخبره فيها بأنني تواصلت معه عبر البريد الإلكتروني. ولازال لا يرد. وسواءً كان هذا دليلاً على ضعف تفاعل جيل الألفية مع أهاليهم عموماً أو أنه ليس من حقي تقرير علاقتنا، إلا أنه مثالٌ جيّد لتحدّيين رئيسيين يواجههما أرباب العمل عند التعامل مع الموظفين الأصغر سناً – التواصل والمشاركة.
تم عقد فعالية مؤخراً تجمع خبراء التواصل مع مجموعة من طلاب الصحافة والعلاقات العامة من “جامعة غرب إنجلترا”، وذلك بهدف تبادل وجهات النظر. كنت طالباً مثلهم منذ 30 عاماً، وإذا لم تخنّي ذاكرتي، وجدت بعض المشكلات المشتركة بين أيامي وأيامهم، لكن أيضاً رأيت اختلافاتٍ كبيرة.
وكان حجم العينة متواضعاً ولم يكن هناك مجموعة مسيطرة، لكن التعليقات كانت مؤشراً جيداً لدراساتٍ أكثر عمقاً تم إجراؤها خلال السنوات الأخيرة.
تحقيق التوازن بين الحياة والعمل
لا، هذا ليس خطأً مطبعياً. لا يفكّر أبناء جيل الألفية بالتوازن بين العمل والحياة، بل العكس. إن مرونة حياتهم المهنية أمرٌ أساسيّ. كما تحدّث الكثيرون عن أهمية العمل أينما شاؤوا ومتى أرادوا، ولم يعنوا بذلك العمل من المنزل فقط، بل الجلوس في مقهىً مع جهاز كمبيوتر محمول متى أرادوا ذلك.
إذا لم تجرّب العيش دون هاتفٍ محمول، وشبكة إنترنت، ومتاجر إلكترونية، وما إلى ذلك، وكنت معتاداً على الإشباع الفوري وميزة التواجد في كل مكان التي توفرها تكنولوجيا الاتصالات اليوم، فلماذا تجلس في مكتبٍ واحد طيلة الوقت؟
ولم يتم الخوض في مفهوم بناء الثقة مع صاحب العمل والفوز بالثقة والنفوذ قبل الحصول على عرضٍ للعمل بأسلوبٍ مرن.
ومثّل طول يوم العمل تحدياً أيضاً بالنسبة للبعض، ولم يسألوا فقط إذا ما كان من المتوقع أن يعملوا بعد الخامسة مساءً في دوامٍ تتراوح ساعات العمل اليومية فيه بين 9 صباحاً و5 مساءً، بل قالوا أن لديهم الكثير ليهتموا به خلال هذه الساعات أيضاً.
الولاء والأمن الوظيفي
يتناقض المناخ الاقتصادي للسنوات العشر الأولى من حياتي المهنية بشكل كبير مع المناخ الحالي بالنسبة للذين يبدؤون حياتهم المهنية اليوم، إذ أننا نشهد اليوم حقبةً معاكسة لأواخر الثمانينات وركود بداية التسعينات، حيث نسبة البطالة عالية، وأسعار الفائدة مرتفعة، وأسعار المنازل منخفضة. خلال تلك الحقبة، كان لابدّ وأن تتمسّك بوظيفتك مهما كان الثمن، وكانت المرونة والتقدّم بعيدين جداً.
اليوم، يعدّ الولاء خياراً وليس ضرورةً للحفاظ على الدخل. يتمتع جيل الألفية بإمكانية السؤال عن الفترة التي عليهم العمل خلالها لدى شركة معينة قبل الانتقال إلى أخرى، ويمكن لهم قياسها بالأشهر، “هل 9 أشهر كافية؟”
إحدى الشركات أجابت بـ”التزم بعامين كاملين”، وعلل ذلك بأسباب منطقية. ما الذي يضطر الشركات لتدريب وتطوير موظفٍ مبتدئ ينوي الرحيل عن الشركة إذا ناسب الأمر مزاجه بعد أشهرٍ فقط؟
يريد أرباب العمل أن يضمنوا مردوداً من استثمارهم في الناس. لابدّ وأن يحصدوا ثمار ما زرعوه. يتوقع جيل الألفية تطوراً وتقدماً وظيفياً سريعاً دون مقابل، بالإضافة إلى مهنة متنوعة ومشوّقة.
وهذه التوقعات غير واقعية بالتأكيد، لكن هذا لن يمنعهم من النظر إلى حياة الآخرين المثالية على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تقول لهم بأن العشب أكثر خضرةً على الضفة المقابلة، وتختفي تماماً عندما تبدأ خطط التنمية بجني الفوائد.
ويكمن الخطر في أن نقص المهارات تتم تغذيته بجيلٍ عجولٍ أكثر من اللازم.
إذن، إلى أين نحن متجهون؟
إن الاقتصاد الحالي المتمثل في العمالة الكاملة يجعل الحياة أكثر صعوبةً، تماماً مثل التنقل الكبير المرتبط بالوظائف. إنه سوق باحئين عن عمل بدل أن يكون سوق أرباب عمل.
إن تحديات جذب الشباب الموهوبين والحفاظ عليهم ليصبحوا قوةً عاملة ناضجة في المستقبل ليست جديدة. كما أن إيجاد مجالات الاهتمام والنشاطات الخارجية التي تسهم في بناء الفريق، والترابط، والتمتع بعد يوم العمل ليست جديدةً أيضاً. إلا أنها هامة بالنسبة لجيل الألفية بشكل أكبر بكثير.
ستستمر فرق التواصل بالتحرك قدماً مع الزمن واحتضان التكنولوجيات الجديدة ووسائل الإعلام الحديثة. وهذا هو المكان الذي يمثل فرص التوظيف التي تجذب جيل الألفية.
إن الهجف أكثر أهمية بالنسبة لجيل الألفية، لذا اجعلهم يشاركون في المسؤولية المجتمعية للشركة (أو اجعلهم يديرونها)، أو في المبادرات الخيرية للشركة. استفد مما هو مهم بالنسبة لهم.
ويكمن الحل في التقصي عن الحقائق. في فيديو عرضته شركة لصناعة أطعمة الأطفال، تم سؤال الموظفين عن أفضل لحظات عملهم مع الشركة، وأجاب أحدهم: “اللعب بالصحن الطائر بعد العمل”.
الأمر متعلق بالناس كما كان دائماً، إلا أن الناس يتغيّرون