
محمد البطة، مدير عام شركة فكرة للاستشارات التسويقية
خلال السنوات القليلة الماضية، شهدت منطقة الشرق الأوسط تقلباتٍ اقتصادية واجتماعية وجيوسياسية هائلة، أثرت على الحكومات والشركات والأفراد على جميع المستويات، ما جعل قدرة القادة على التواصل بفعالية والتعامل مع الأزمات أكثر أهمية من أيّ وقتٍ مضى.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الحاجة إلى استراتيجيات اتصال واضحة وفعالة للأزمات أكثر أهمية لبقاء ونجاح المنظمات وحماية صورتها المؤسسية وكذلك الوطنية.
وبوصفنا خبراء تسويق، فإننا نسعى دائمًا للتواصل مع المستهلكين بطرقٍ مختلفة – وعلى وجه التحديد، بالطريق التي يفضّلونها. في الواقع، أصبح التسويق اليوم مدفوعًا بشكلٍ متزايد من المستهلك، ومع انتشار التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للعلامات التجارية التواصل مباشرةً مع أصحاب المصلحة لتطوير المنتجات والخدمات التي تبيعها.
ولكن يأتي هذا عادةً مع ثمنٍ ملاصقٍ له.
إن سهولة الاتصال هذه سيفٌ ذو حدّين، فاليوم، كل شخص يمتلك هاتفًا محمولًا هو صحفي، وبالتالي تحتاج كل من الحكومات والشركات إلى الحفاظ على قناة اتصال مفتوحة مع عملائها وممارسة المزيد من الشفافية والانفتاح.
عادةً ما يتم تجنّب موضوع الأزمة، لاسيما في الشرق الأوسط، إلا أنه من المهم جدًا الحديث عنه. تعتبر الأزمات أمرًا حرجًا لأي مؤسسة، أو شركة، أو دولة، أو حتى فرد. ورغم أنها غالباً ما ترتبط بالتوتر وانعدام الأمان، إلا أنّها أيضاً فرصة للبناء والتحسين.
بالنسبة إلينا كقادة، علينا دائماً أن نكون مستعدين لأن الأزمات تحدث بالتأكيد، والنجاح في وجه أزمة لا يتعلق فقط بمهارة الكيان في التعامل معها، لكن أيضاً بمدى استعداده للتعامل مع مثل هذه الأزمة قبل حدوثها. يتم بناء السمعة خلال فترة زمنية طويلة، وهي نتيجة تواصل مستمر وفعّال مع أصحاب المصلحة، والتميّز في خدمة العملاء، والتخطيط الجيّد للأزمات.
هناك سؤالٌ هام نطرحه على أنفسنا دائمًا: هل تتواصل العلامات التجارية بشكل فعّال وهل نجري اتصالاتٍ في الأزمات في منطقة الشرق الأوسط؟
وهم “مقاس واحد يناسب الجميع”
تعتبر منطقة الشرق الأوسط تكتّلاً هائلاً من الأسواق ذات ثقافات وتاريخ ومراحل تطوّر مختلفة، وبالتالي فإنه من الخطأ في الغالب اعتبار جميع الأسواق في الشرق الأوسط متشابهة وأنها مقاس واحد يناسب الجميع عندما يتعلق الأمر بالتواصل أو إدارة العلامات التجارية وحمايتها. للأسف، هذا هو الوهم. تتحدث منطقتنا اللغة نفسها، وقد تكون متقاربة الثقافات والتاريخ، لكن عندما يتعلق الأمر بممارسة الأعمال التجارية، فإن كلّ بلدٍ مختلفٌ تمامًا عن الآخر ويتطلّب نهجًا مختلفًا يناسب السوق المحلية والجمهور.
ولكي تتواصل العلامات التجارية لشكلٍ أكثر فعالية وتنجح بتخطي الأزمات، فهي بحاجة إلى عاملٍ أساسي، وهو فهم الاختلافات الثقافية، والسياسة الجغرافية، والإعلام، والشعور العام.
شهدت منطقتنا زيادة كبيرة في عدد الأزمات في جميع القطاعات. ومع تبادل الشعوب لآرائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اتخذت إدارة سمعة العلامة التجارية، لا سيما أثناء الأزمات، اتجاهًا جديدًا تمامًا. قد تعتقد الكثير من المؤسسات أنها تقوم بذلك بشكلٍ صحيح، لكن هذا المجال يتطوّر باستمرار، وبالتالي هناك حاجة دائمة للنظر في تحديث وتطوير ممارساتها وبروتوكولاتها.
وبينما نمضي قدمًا، يجب أن يستمر التواصل في الأزمات بالتطور ليواكب البيئة المتغيرة. الاتصال الفعال بالغ الأهمية في وقتنا هذا لحماية سمعة العلامة التجارية، وليس فقط مع أصحاب المصلحة الخارجيين، لكن، وهو الأهم من ذلك، مع الجمهور الداخلي – الموظفون.
سفراء العلامة التجارية داخل الشركة
موظفو الشركة هم سفراء العلامة التجارية الأجدر بالثقة لدى المؤسسة أو الشركة، وهم الأكثر تأثيرًا على سمعتها. لا تزال العديد من الشركات اليوم لا تقدّر أهمية دور التواصل الداخلي، وقد لا تدرك أثر غياب استراتيجية تواصل داخلية فعالة.
إذا لم تتواصل الشركة وبطريقة فعالة مع موظفيها، فإنها تخاطر بفقدان أكثر من مجرد سمعتها. قد تفقد عملها كله. بإمكان موظفي الشركة الأكثر اطلاعًا تقديم الرسالة الصحيحة إلى أصحاب المصلحة الخارجيين، وهذا برأيي هو أنجع وسيلة تتواصل بها العلامة التجارية مع جمهورها، لا سيما أثناء الأزمات.
وهناك عقبة رئيسية أخرى تكمن في اختلال قنوات الاتصال داخل الشركة ومع وكالة العلاقات العامة (أو التواصل)، وخاصةً أثناء الأزمات. التواصل والتعاون لا يمكن أن ينفصلا، واليوم، لا يزال العديد من العملاء ينظرون إلى وكالة العلاقات العامة الشريكة على أنها طرف خارجي أو طريف ثالث.
من وجهة نظر العميل، تهتم العديد من وكالات العلاقات العامة بجذب المزيد من العملاء وتحقيق المزيد من المال، بدل العمل بشكلٍ وثيق مع فريق العميل لتطوير بروتوكولات تواصل خاصة تناسب احتياجات ومتطلبات هذا العميل. ولسوء الحظ، لا تزال هناك العديد من الوكالات التي تطبّف مفهوم “نهج واحد يناسب الجميع”، وتركّز على بيع الحلول الجاهزة لعملائها.
تقدّم بعض الوكالات التواصل أثناء الأزمات كمنتجٍ يمكنها تحقيق الدخل منه من خلال وحدات جاهزة أو تدريب، بدل أن تقدّمه كخدمة ذات قيمة مضافة. ونرى هذا كثيرًا في الشرق الأوسط، خاصةً لدى الوكالات والاستشاريين الذين يأتون من مناطق مختلفة ويرغبون بنقل خبراتهم من بدانهم إلى أسواق الشرق الأوسط التي يعملون فيها.
من سيّء إلى أسوأ
لقد خلق هذا العديد من المشكلات التي أدت إلى تفاقم الأزمة بدل إدارتها، لأن عقلية المستهلكين الأوروبيين أو الأميركيين أو الآسيويين، على سبيل المثال، تختلف كثيرًا عن عقلية المستهلكين في الشرق الأوسط. وينطبق الشيء نفسه داخل الشرق الأوسط، حيث يختلف العملاء أو أصحاب المصلحة في مصر بشكلٍ كبير عن العملاء في المملكة العربية السعودية، الذين بدورهم يختلفون عن نظرائهم في الإمارات العربية المتحدة.
يحتاج كل من العملاء والوكالات إلى تغيير طريقة تفكيرهم بعلاقتهم من “مقدم الخدمة” إلى علاقة الشراكة. يجب أن تكون الوكالات منغمسة في أعمال عملائها منذ اليوم الأول كشريك يفهم تمامًا حاجات العميل المتعلقة بالتواصل وأهداف عمله، بالإضافة إلى العمل جنبًا إلى جنب لضمان تواصل فعال للعلامات التجارية وحماية سمعتها.
عندها فقط ستتحقق المنفعة الحقيقية للشراكة. عندها فقط يمكن للوكالات التواصل وإدارة وحماية سمعة العلامات التجارية بفعالية وكفاءة. تحتاج السمعة اليوم إلى المزيد من العمل لبنائها وحمايتها، لا سيما مع التحول الرقمي المتزايد الذي نشهده.
السباحة في بحر من القصص
نعيش اليوم في العصر الرقمي ونسبح في بحرٍ من القصص، والأخبار الحقيقية والكاذبة، والحقائق، ونصف الحقائق. كما أعطت وسائل التواصل الاجتماعي وقوّتها صوتًا لجميع أصحاب المصلحة حول أيّ موضوع وفي أي وقت. وكل هذا جعل مهمة ممارسي مهن التواصل أكثر صعوبة.
جلبت وسائل الإعلام الرقمية معها كميةً هائلة من البيانات. ولدى العلامات التجارية اليوم مهمة أكثر صعوبة للتواصل مع المستهلكين. قد يظن المرء أن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت التواصل سهلًا، لكن هذه السهولة تأتي مع ثمنٍ باهظ. لا يزال العديد من العملاء يكافحون للتواصل بفعالية عبر الإنترنت، والأهم من ذلك، لحماية سمعة علامتهم التجارية في العالم الرقمي.
ودون العمليات والبروتوكولات الصحيحة للتواصل بشكلٍ فعال عبر الإنترنت، سوف يعاني العملاء والوكالات على حدٍ سواء من العواقب. وحتى هنا، لابدّ من مراعاة الفروق الثقافية والاجتماعية المرتبطة بالمناطق الجغرافية عند التعامل مع العملاء عبر الإنترنت.
أثناء الأزمات، واليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى، يجب أن يقوم مسؤولو التواصل بنصح قادتهم بالعودة إلى الأساسيات، والأهم من ذلك، تكييف هذه الأساسيات لتتناسب مع العالم الرقمي:
الصدق (كن صادقًا)
الموثوقية (كن حقيقيًا)
التوجه (كن موجهًا)
الإيجاز (كن موجزًا)
إمكانية الوصول إليك (اجعل التواصل معك متاحًا وسهلًا)
والأهم من كل ذلك، المحلية (كن محليًا)
تتحرك دورة الأخبار اليوم بوتيرة أسرع بكثير من ذي قبل. وبالتالي، فإن سرعة جمع الحقائق وجميع جوانب أي القصة هي الأساس لتقديم قصة مستفيضة للجمهور. يجب أن تدرك العلامات التجارية أنه من أجل تحقيق تواصلٍ فعال مع أصحاب المصلحة، لابدّ أن تكون سريعة وفعالة وتسلم الرسالة الصحيحة في الوقت المناسب.
ردود الفعل الفورية
لقد ولت الأيام حين كان على المستهلكين انتظار أن يُسمَع صوتهم ثم انتظار الرد – إن وجد. أما اليوم، فلديهم منصات اجتماعية خاصة بهم، ويتم سماع أصواتهم على الفور، وليس فقط من قبل العلامات التجارية، بل أيضًا من قبل المستهلكين الآخرين وأصحاب المصلحة الذين سوف يتفاعلون معها على الفور.
في الماضي، كانت الشركات أو وسائل الإعلام تتحكم بالقصص وسردها. أما اليوم، فالجمهور هو المسيطر على القصص، إذ أنهم ليسوا فقط مصدرًا للمعلومات، بل ويطالبون أيضًا بالمعلومات، ويُملون وتيرتها، وبالتالي يسيطرون الآن على القصص وسردها.
ولكي تنجح العلامات التجارية في اجتياز أي عاصفة، لابدَ لها أن تتأكد من مقدرتها على رؤية جميع جوانب القصة، والتحدث إلى السكان المحليين بلغتهم وفهم ثقافتهم وبيئتهم، وأن تكون قناة الاتصال ذات الاتجاهين مفتوحة في جميع الأوقات. والأهم من ذلك، لابدّ من التخلص من الحجم الواحد المناسب للجميع، وإنشاء حلول خاصة مصممة خصيصًا لشركتك.
تحذير واجب .
لا يحق نشر أي جزء من منشورات ميديا & PR، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أي نحو، سواء إلكترونياً أو ميكانيكياً أو خلاف ذلك دون الاشارة الى المصدر، تحت طائلة المساءلة القانونية.
يرجى التواصل لطلب إذن الاستخدام :
info@ipra-ar.org
info@sia-sy.net