العنوان :
كيف تصنع الأمم السلام
المؤلف :
تشارلز دبليو كيغلي- غريغوري أ. رايموند
عدد الصفحات :
423
دار النشر :
الأكاديمية السورية الدولية
ملخص :

رابط الكتاب الصوتي على يوتيوب :

قال رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرتشل في كلمة أمام مجلس العموم البريطاني في الحادي عشر من تشرين الأول عام 1942 أن " التوافق حول مشاكل النصر أكثر منه حول مشاكل الهزيمة، على أن مشاكل النصر ليست بأقل من مشاكل الهزيمة" ومن بين تلك المشاكل ما يتعلق بكيفية معاملة المنتصرين للمهزومين من خصومهم. تنصح إحدى المدارس الفكرية بانتهاج التساهل: حيث ينبغي على المنتصرين إبداء المروءة لإخماد أي رغبة في الانتقام لدى المهزوم. فيما توصي مدرسة أخرى بمزيد من الصرامة: إذ ينبغي على المنتصر أن يكون قاسياً ليضمن أن هزيمة العدو لن ترتد عليه. تسعى المقاربة الأولى إلى إحلال الاستقرار عبر بناء الثقة بين المتعادين، في حين تسعى المقاربة الثانية إلى القضاء على تصاعد قدرة الخصم التي قد تصبح تحدياً عسكرياً في المستقبل. يطرح التساؤل نفسه بين هاتين المقاربتين المتنافستين حول أي من سياسات السلام لهاتين المقاربتين المتناقضتين يصلح أكثر من الآخر لإقامة سلام دائم؟ على صفحات كتابنا هذا يتجادل الفلاسفة وعلماء اللاهوت وأدباء الروايات وكتاب المسرحيات والصحفيون وعلماء الاجتماع حول مزايا كل من التسويات المتسمة بالتعاطف وجهاً لوجه أمام تسويات السلام العقابي.

يهدف هذا الكتاب إلى تحفيز الفكر النقدي حول القضايا التي تلهب ذلك الجدال. وتوضح هذه القضايا الطبيعة الإشكالية للعديد من الخيارات الأمنية الدولية، والتي غالباً ما تثير القيم المتنافسة والمبادئ النظرية ضد بعضها حول أفضل خيار سياسي ناجع. وما كتاب كيف تصنع الأمم السلام إلا نص يتناول الحرب وإنهاءها؛ على الرغم من أن الحرب وإنهاءها موضوعان على قدر من الأهمية بذاتهما لأن حالة المنتصر عند صناعة تسوية السلام يمكن أن تقرر ما إن كانت الجولة المقبلة من الاقتتال ستحطم اتفاقية إنهاء الحرب. غير أننا أولينا اهتمامنا بالمشاكل السياسية والمعضلات الأخلاقية التي يواجهها المنتصرون بحيث تمهدان لتقديم العقبات التي تعترض سبيل الحصافة السياسية ومبادئ صناعة القرار في مجالات أوسع للسياسة الخارجية والسياسات الدولية. ولقد قمنا بتقديم أهم المبادئ والنظريات المستخدمة في مجالات الدراسة هذه من خلال عرض حالات تاريخية وعقد مقارنات للمشاكل التي توجد هي نفسها على مر الأزمان بحيث تدعم وترسخ الأفكار التي قمنا بمراقبتها في نصوص السياسات العالمية والنظام العالمي.

كان لخبرتنا كعضوين في كلية بيو بقسم العلاقات الدولية في مدرسة جون كينيدي الحكومية بالغ الأثر على بنية هذا الكتاب. إذ بات علينا أن نوفر للقارئ قضايا دراسية من الماضي التي تستمد إلهامها من الطرق البيداغوجية التي لجامعة هارفارد موقع الريادة فيها،روذلك لكي نشجع على التفكير النقدي حول تبعات الخيارات التي تتراوح بين تسويات السلام التصالحي والعقابي. تروي لنا كل حالة قصة مترابطة غاية الترابط عن حرب بعينها وخيارات المنتصر في التعامل مع المهزوم. وعلى الرغم من أن التقيد بحدود المجال أوجب علينا تكثيف هذه الأحداث المعقدة، فقد نشدنا الحفاظ على إيراد الظروف التاريخية وتسليط الضوء عليها نظراً لما لها من تأثير على ملامح كل قصة. وإننا نعتقد انه من الصعب التكهن بخيارات القادة الوطنيين التي سيتخذونها بعد الحرب ما لم نكن على بينة من بعض أسباب الحرب وطريقة جريانها. وكلنا أمل في أن يقدم السرد الغني للطلاب عبر سياق دبلوماسي فهم ما جرى وأسباب وقوعه. وعلاوة على هذا فإننا نرجو أن نقدم للدراسين مراجع لمبادئ التحليل المجرد لدى نظريات الحرب والسلام.

تأثرت بنية هذا النص بالعديد من الاعتبارات البيداغوجية الأخرى، فأولاً لقد حاولنا إعطاء الدارس شعوراً بمدى الطبيعة الدائمة للنقاش حول أنواع تسويات السلام عبر ذكر حالات من غابر الأزمان حتى عصرنا هذا. وعلى الرغم من أن الأسلحة والتكتيكات والإمدادات اللوجستية قد تغيرت عبر القرون، إلا أن الأسئلة التي ما زالت تتكرر حول تسوية السلام مطروحة في كل جيل.

وثانياً، نظراً لارتباط العديد من تلك الأسئلة بمشاكل أخلاقية أعمق، فقد أبرزنا البعد الأخلاقي لصناعة السياسة بعد الحرب. وإنه لمن المؤسف أن الاعتبارات الأخلاقية لم تلقَ الكثير من الاهتمام في أغلب كتب العلاقات الدولية. وكثيراً ما يدور النقاش حول أن العمل بالسياسة يعتمد على الضرورات الإستراتيجية المعرّفة بالأمن القومي. على أن تولي شؤون الضروريات لا يعني إزاحة قرارات السياسة الخارجية خارج عالم المحاكمة الأخلاقية. وإن ما يعتبره المرء ضرورة ملزمة ضمن قيم محددة مقبولة هو بمستوى أهمية ضمان التضحية بقيم أخرى. هذا وينطوي اختيار مجموعة من القيم دون سواها على محاكمة أخلاقية. ويساهم هذا الكتاب في ملء ما يُعتبر فجوة كبرى ليس في أدبيات إنهاء الحرب وتسوية الخلافات فحسببل وفي صناعة القرار الدولي عموماً عبر توجيه الأنظار إلى المحاكمات الأخلاقية. وتدفع الحالات الواردة في الكتاب إلى الاهتمام بالنواحي الأخلاقية والوعي بها في أية خيارات سياسية دولية مثيرة للجدل. بحيث يصبح تسليط الضوء عليها دليلاً مرشداً.

وأخيراً، لقد ركزنا على حروب القوى الكبرى التي انتهت بانتصارات حاسمة، كالحروب بين القوى الكبرى والصغرى، فقد أوردنا الحروب التي اندلعت لأسباب تنافسية. ومع علمنا بأن القارئ ربما يختلف معنا بعض الشيء في الحروب التي وقع اختيارنا عليها وأن البعض أيضاً سيتساءل عن سبب مرورنا على حروب أخرى مرور الكرام. لقد اخترنا التركيز على النتائج الحاسمة لأنها توضح المعضلات السياسية والأخلاقية الفريدة التي تواجه المنتصرين. ولا بد أن تلفت هذه المعضلات انتباهنا نظراً لكثرة المرات التي فشل المنتصرون فيها في تحويل النجاح في ساحات المعارك إلى تسويات سلام مستدام. وبالطبع فإن الحديث ذو شجون إذ يمهد موضوع ما لموضوع آخر، بحيث يفتح الباب أمام مجموعة أخرى من الأسئلة البحثية التي تتطلب معالجة منفصلة على حدة.

لقد استفدنا كثيراً من مساعدة الآخرين خلال تأليف هذا الكتاب، وإننا لنتقدم بالشكر إلى جيني وينغارث وكريستيان رايموند لمساعدتها وصبرهما وتفهمهما وتشجيعهما الدائم.كما وأشخاص آخرين وجامعات ساهمت في إنجاز هذا العمل.

إن كتاب كيف تصنع الأمم السلام مبني على ربع قرن من الصداقة والبحث المشترك، ونأمل في أن يرى القراء في هذا الجهد أملاً في التفكير بالمعضلات الأخلاقية والمشاكل السياسة التي تواجه الأمم في نهاية الحروب.