العنوان :
الدبلوماسية العامة " القوة الناعمة في العلاقات الدولية"
المؤلف :
جان ميليسِّن
عدد الصفحات :
315
دار النشر :
الأكاديمية السورية الدولية SPR
ملخص :

رابط الكتاب الصوتي على يوتيوب :

جاءت الفكرة لتأليف هذا الكتاب من الشعور أن الجدل حول الدبلوماسية العامة بعد أحداث أيلول 2001 احتل حيزاً بشكل أساسي في الصحافة وأن الفرصة مواتية لطلاب الدبلوماسية حتى يعاينوا هذه الظاهرة.

يظهر في المراحل الأولى من هذا الكتاب مقدار الخلط بين الدبلوماسية العامة، أي علاقة الدبلوماسيين بالجماهير الخارجية (التواصل الرسمي مع الجماهير الأجنبية) ، والحوار الدبلوماسي الحاد خاصة في الولايات المتحدة حول المفهوم. كانت الدبلوماسية العامة دون شك الملف الأكثر سخونة في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة من 9/11 وحتى اندلاع الحرب في العراق(احتلال العراق). ولقد قدمت معظم مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية تقارير إرشادية تتناول الدبلوماسية العامة. صحيح أن بعضها حمل فائدة أكثر من الآخر، لكن وحتى وقتنا هذا لا نجد سوى قدر ضئيل من الأدب الأكاديمي يناقش الدبلوماسية العامة لما بعد الحرب العالمية الثانية. يصطدم المهتمون بالدبلوماسية آنفة الذكر بالتغطية الإعلامية التي تثقل الكاهلين وبالتعليق والتحليل والنصح الدائم لصانعي السياسة، لكن الشيء الذي تفتقر له هو غيابُ تحليل النزعات الأعمق ومنظورٌ حول كيفية رؤية التواصل الرسمي مع الجماهير الأجنبية في سياق الممارسة الدبلوماسية الأوسع.

بالطبع توجد عدة طرق لمعاينة الدبلوماسية العامة، ومن حسن الحظ أن طلاب الدبلوماسية ليسوا الأكاديميين الوحيدين المهتمين بها. ويبدو أن وجهة نظر طلاب التواصل الدولي أو مؤرخي الترويج أو واضعي نظريات العلاقات الدولية حول الدبلوماسية العامة تتشعب إلى آراء مغايرة لتلك التي يحملها طلاب الدبلوماسية أنفسهم. لذا ستكون ممارسة الدبلوماسية نقطة بداية لمعظم فصول الكتاب.

يرى غالبية المؤلفين أن الدبلوماسية العامة يمكن اعتبارها ولو جزئياً أحدَ أعراض تغير السلوك في العلاقات الدولية، ويعطينا استقراءٌ أوسعُ للتاريخ والجرأةَ على القول إن انخراط وزارات الخارجية والسفارات في أعمال مع مجموعات المجتمع المدني والأفراد في الخارج يبيّن بلوغَ تطورِ التمثيلِ الدبلوماسي مرحلةً جديدة، ففي الحقيقة يهتم مزاولو الدبلوماسية بالجماهير الخارجية في يومنا هذا على نحوٍ ما كان متوقعاً أبداً منذ 25 سنة فقط. أما في بعض الدول الأكثر تميزاً في هذا المجال يَظهر جلياً أن الدبلوماسية العامة تتحرك تدريجياً خارج حدود دائرة العمل الدبلوماسي، وهذا ما حصل للدبلوماسية الصناعية (التي يُقصَد بها نشاطات وزاراتِ الخارجية في بلد ما والسفاراتِ الداعمة للأعمال والقطاعات الاقتصادية في هذا البلد) أو للعلاقات القنصلية في الدول الغربية على الأقل، خاصة تلك الجهود المبذولة سعياً خلف رخاء مواطني الدولة خارج أراضيها. ربما لا يزال كثيرٌ من ممارسي الخدمات الدبلوماسية يجهلون أهمية التواصل مع الجماهير الخارجية، لكن هذا الموضوع بات يجذب اهتمام الإداراتِ رفيعة المستوى في وزارات الخارجية والقياداتِ السياسيةَ في عدد من الدول لا يستهان به، وهذه إشارة إلى التغيير الذي يحدث.

يستحق الأمر أن ننظر إلى العلاقات العامة بعيداً عن تجربة الولايات المتحدة أو العالم الأنجلوفوني الناطق بالإنجليزية، فالحوار حول الدبلوماسية العامة الجديدة بعد أحداث 11/9 من عام 2001 أصبح محكوماً بالدبلوماسية العامة الأمريكية وموصوماً بالتأكيد الشديد على الأمن الدولي والعلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي، لكن التجربة الأمريكية ينبغي ألا تصرفنا عن التنبه إلى أن دولاً عديدة أصبحت مهتمة بالدبلوماسية العامة قبل 11/9 بوقت طويل ولعدة أسباب مختلفة. أيضاً من المهم أن ننظر إلى الدول الكبيرة والمتوسطة والصغيرة وحتى متناهية الصغر كي نفهم الدبلوماسية العامة على النحو الصحيح ونحلل الطريقة التي تستكشف بها الدول غير الديمقراطية طريقة "الوصول للغير" في العلاقات الأجنبية. فالتركيز الأمريكي الشديد على الأمن الوطني و"الحرب على الإرهاب" و"كسب القلوب والعقول" في العالم الإسلامي لا يعكس مخاوف واهتمامات الدبلوماسية العامة التي تصرح بها دول أخرى عديدة، وللتأكد من صحة ذلك نجد أن أيلول 2001 كان سبباً مهماً لإطلاق الجدال الحالي في المجتمع الدبلوماسي الدولي حول الدبلوماسية العامة، لكنه لم يكن البداية لدول عديدة ولم تؤثر التجربة الأمريكية في قواعد التفكير في هذا الموضوع خارج حدود أمريكا الشمالية نفسها. هذا الكتاب هو المحاولة الأولى لكشف الستار عن سلسلة من المقاربات نحو الدبلوماسية العامة، لكن بالنسبة للمهتمين بمزاولة العمل الدبلوماسي ربما لا تقل الدبلوماسية العامة لحكومة قيرغيزستان أهمية عن الطريقة التي تعالِج بها وزارة الخارجية الأمريكية التحديات المتمثلة بالتواصل مع الجماهير الخارجية.

هذا الكتاب موجه لكل من طلاب الدبلوماسية والدبلوماسيين، وقد كان الفضول الفكري والرغبة لفهم الدبلوماسية العامة دافعاً مهماً لبعض مؤلفي مقالات الكتاب، بينما رغب آخرون بمزج التحليل الأكاديمي بالنصح للممارسين للدبلوماسية، أما الباقون فقد كان دافعهم الأساسي فكرة تقول إن الفهم المناسب للدبلوماسية العامة يمكن أن يسهم في تحقيق مزاولة دبلوماسية أفضل ويساعد في الحول دون إساءة المزاولين فَهْمَ متطلباتها. وهو، الكتابَ، جهد جمعي أثمر عنه تعاون مؤلفين من دول مختلفة ذوي خلفيات احترافية متنوعة يعيشون حالياً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهولندة وإسبانية؛ هم ليسوا مجرد أكاديميين، لكنهم أيضاً دبلوماسيون باحثون واستشاريون أو مدربون في الدبلوماسية يسعون

أولاً إلى الإحاطة بالدبلوماسية العامة من مجموعة زوايا منهجية محلية رغم أن الكتاب لا ينتهج المقارنة المباشرة بين دول مختلفة.

ثانياً يتناول هذا الكتاب الدبلوماسية العامة كما تمارسها الدول مختلفة وكما يزاولها الاتحاد الأوربي، أي باعتبارها نشاطاً دولياً يزداد استقلاله بمرور الوقت.

ثالثاً يحاول الكتاب تبيان الطريقة التي يكون بها المزاولون أكثر تأثيراً بصفتهم "مزاولين للدبلوماسية العامة". لكنه لا يسعى إلى تأسيس مدرسة ما، أو حشر مؤلفيه في قالب محدد.. سيستطيع القارئ الفطن الانتباه إلى أن المؤلفين يختلفون رأياً حول عدد من النقاط الأساسية. لذا فإن الهدف المتواضع للكتاب هو التفكر بالدبلوماسية العامة اليوم وتقييم أهميتها في سلوك العلاقات الدولية، ثم بالنتيجة الإسهام في حوار أكاديمي أوسع يناقِش التوجهات الحالية للدبلوماسية. تؤدي دراسة الدبلوماسية العامة إلى نتائج مخيبة للأمل لا محالة إذا بُترت عن الفهم الأوسع للمزاولة الدبلوماسية، وإن طلاب الدبلوماسية الذين يتجاهلون الدبلوماسية العامة يبخسون سمةً رئيسية من سمات التطور المعاصر للدبلوماسية حقَّها.

يسعى الجزء الأول من هذا الكتاب، أي فصل «جان ميليسِّن» التقديمي حول الدبلوماسية العامة ودراسة «برايان هوكينج» النظرية للموضوع، إلى توضيح المفهوم وتقييم أهمية الدبلوماسية العامة الجديدة في البيئة الدولية الحالية. الدبلوماسية العامة الجديدة بالنسبة لكليهما جزء من منظومة السياسة العالمية رغم اختلاف بعض خلاصاتهما جذرياً حول أهميتها. فـ«ميليسن» يقدم الدبلوماسيةَ العامة الجديدة مفهوماً ويقيِّم التطورات الراهنة في هذا المضمار، كما يبين تحليله سمات المزاولة الجيدة ويميز بين الدعاية وإدارة سمعة الدولة والعلاقات الثقافية من ناحية أولى، والدبلوماسية العامة من ناحية ثانية. ثم يتابع «هوكينج» بتقفي الخيوط المتعددة التي تشكل الدبلوماسية العامة ويبحث مجدداً الجدلَ حول "القوة الناعمة" الذي غالباً ما يثيره نقاشُ الدبلوماسيةِ العامة، ويباين بين الدبلوماسية العامة ونموذج الشبكات في إطار صورةٍ هرمية متمركزة حول الدولة للعلاقات العامة.

يبين خمسةُ مؤلفين في الجزء الثاني من الكتاب بعض الاختلاف في مزاولة الدبلوماسية العامة حول العالم، ويبحثون أنواعَ دولٍ مختلفةً جذرياً ومنظمةً دولية واحدة هي القوة العظمى، وقوتين ديمقراطيتين متوسطتين، وقوة عظمى استبدادية، والدبلوماسية العامة الثورية وتواصل الدول المارقة بالجماهير الخارجية، وتجارب الاتحاد الأوربي بصفتها عاملاً دولياً وحيداً. يتناول «بيتر فان هام» الدبلوماسية العامة الأمريكية على وجه الخصوص، بينما يقيِّم «آلان هينريكسون» مواءمة دبلوماسية المكان المناسب (niche diplomacy) الخاصة بكندا والنرويج لسياستيهما اتجاه الولايات المتحدة. يتحدث فصل «بيتر فان هام» عن الدبلوماسية العامة الأمريكية في سياق الحوار حول "الإمبريالية الأمريكية" ويختبر الافتراضات المعيارية التي يقوم عليها مفهوم "باكس أميريكانا" السائد (أي "السلام" على الطريقة الأمريكية أسوة بمفهوم "باكس رومانا" قديماً) وتسخير القوة الناعمة الأمريكية لخدمة الإمبريالية الليبرالية، إضافة إلى دور الدبلوماسية العامة في الإمبريالية الأمريكية الناشئة. ثم يقارن «آلان هينريكسون» كيف أظهرت كندا والنرويج براعتيهما في استخدام الرأي العام وكيف نجحتا في كسب احترام الدول الأخرى والرأي الخارجي، حيث يناقش الإستراتيجيات السياسية للدولتين في إطار سياسات القوة والدبلوماسية العامة، مميزاً بين إستراتيجية مواجَهة للولايات المتحدة والفعل الموازي لها ومقاربة تهدف إلى الشراكة الفاعلة.

تتناول الفصول الثلاثة الباقية في الجزء الثاني أشكالاً استثنائية من الدبلوماسية العامة مقارنة بالمنطق السائد الذي يَعتبر الدبلوماسيةَ العامة نشاطاً تزاوله الدول الديمقراطية أو على الأقل الدول في مراحلها الانتقالية. تبحث «إنجريد دو» سمات الدبلوماسية العامة للصين، وتُعتبر الحالة الصينية مثيرة للاهتمام على وجه الخصوص لأن الصين تمتلك باعاً طويلاً في الدعاية السياسية إضافة إلى أنها دولة أحادية الحزب ذات نظام حكم مركزي استبدادي، ثم تُقيِّم «دو» كلاً من الفعل الصيني العالمي والثنائي في هذا المجال وتتطرق إلى أصول الدبلوماسية العامة في الثقافة الصينية. تتناول مشاركةُ «باول شارب» الدبلوماسيةَ العامة في محيط النظام الدولي السائد، وفكرتُه الرئيسية هي أن كثيراً مما نسميه دبلوماسية عامة يمكن أن يكون منشأه أفعالاً صادرة عن دول ثورية كالاتحاد السوفيتي، وأنها تشبه إلى حد بعيد تواصلَ ما يسمى الدول المارقة مع الجماهير الخارجية، ويحذر تحليل «شارب» بعد تبيان "الجانب المظلم"للدبلوماسية العامة من أن المحاولات لإيجاد دبلوماسية عامة ضِدّْ ثَورية ستقوض القيم التي تسعى خلفها افتراضياً الدبلوماسية العامة من أجل الوصول إلى جمهور عالمي أوسع. يتناول الفصل الأخير من هذا الجزء الاتحادَ الأوربي بصفته قوة ناعمة، وتناقش «آنا» الفكرة القائلة إن قوة الإقناع تصبح مطلباً وجودياً للشرعية والمصداقية الشعبية للاتحاد الأوربي، لكن مفهوم الدبلوماسية العامة يبقى نظرية لا يطبقها مسؤولون عديدون في بروكسل رغم ما تبذله المفوضية الأوربية ومجلس الأمانة، بل على العكس تتكامل قيم محددة ومعايير ومبادئ لتشكِّل سياسات ولتُستخدَم أدواتٍ في إستراتيجية الإعلام والتواصل.

في الجزء الثالث والأخير يستكشف أربعة مؤلفين فرص الدبلوماسية العامة، ويتناولون كما في فصل «ميليسِّن» التقديمي بعض السمات العملية لتبني الدبلوماسية العامة. ترى «سينثيا شنايدر» أن الدبلوماسية الثقافية مثال ممتاز على القوة الناعمة، لكنها غالباً تهمَّش باعتبارها مفرطة النعومة وبعيدة عن صلب قضايا السياسة، ويستعرض فصلُها الدبلوماسيةَ الثقافية الأمريكية حتى نهاية الحرب الباردة ويختبر أسباب تدهورها من منظور مقارن. أما «والي أولينز» فيبحث قضية إدارة سمعة الدولة ويشدد على فكرة أن الدول تحاول دائماً خلق وتعديل سمعتها على النحو الذي يحقق لها الولاء داخلياً والتأثير خارجياً، كما يميز عدداً من المناطق حيث تتنافس الأمم مع بعضها بشكل مباشر وعلني وحيث يرى إدارة سمعة الدولة ضرورةً حتمية، لكنه في الوقت ذاته ينبه إلى أن المكاسب ستأتي على المدى الطويل ولا يمكن قياسها مباشرة. بالنسبة لـ «شون ريوردان» تعتبر الدبلوماسية العامة جزءاً من نموذج ناشئ حديث العهد للدبلوماسية التعاونية يحتاج مقاربةً تقوم على الحوار بشكل أساسي، ويتناول فصلُه بناءَ الأمة والنضالَ ضد الإرهاب العالمي، باعتبارهما مثالين رئيسيين يمكن فيهما لمقاربة مماثلة الإسهامُ في الاستقرار العالمي. من هذا المنظور نجد أن الدبلوماسية العامة تتعلق بالأفكار والقيم إلى حد كبير، وأن إشراك الأطراف غير الحكومية يعتبر أحد أفضل الطرق لدفعها وتطويرها. أما في الفصل الأخير من هذا الجزء يسلط «جون هيمري» الضوء على أنماط من التدريب على الدبلوماسية العامة من أنحاء العالم ويناقش ما يجب أن يكون عليه المنهج الناجح للتدريب على الدبلوماسية العامة، ويركز على أن القليل القليل فقط من وزارات الخارجية تدرب دبلوماسييها على أداء عملهم في الشبكات الانتقالية غير المنتظمة، وأن برامج التدريب في دول عديدة هي مجرد حُزم لتطوير مهارات متباينة تخفق في إعداد الدبلوماسيين للعمل في المناخ المتقلب للعلاقات الدولية.

في النهاية أقول إن معرفة المزاولة الدبلوماسية واستشعارها أمر لا غنى عنه في رحلة الوصول إلى الفهم الصحيح للتواصل الدبلوماسي التقليدي بين النظراء من الدبلوماسيين؛ تلك حقيقة لا لبس فيها. بيد أن مؤلفي هذا الكتاب يؤمنون أن طلاب الدبلوماسية مؤهلون أيضاً لتقييم الدبلوماسية التي تحمل المزاولين خارج حدود مناطقهم الآمنة. لذا فالأمل من هذا الكتاب ومن الدراسات الدبلوماسية عامةً، أن يغني الحوارَ حول الدبلوماسية العامة بدل تركها لآخرين يتعاطون معها على أنها مجرد تواصل دولي. أخيراً وليس آخراً، إن مجموعة المقالات هذه تدفع نحو بحث أكثر في النزعات السائدة للمزاولة الدبلوماسية، وقد أثبتت دراسات تاريخ الدبلوماسية والفكر الدبلوماسي أنها تغذي مشكاة الدراسات الدبلوماسية المتواضعة في مجال العلاقات الدولية، لكن الأنسب في مواجهة هذه المتغيرات الكاسحة أن يعكس طلاب الدبلوماسية وينظِّروا النزعات الحالية والابتكارات في المزاولة الدبلوماسية، أو حتى أن يتنبؤوا في دراساتهم بما هو آت.